للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتوى فقهية

في واقعة توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك للمستحق

لفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

بسم الله الرحمن الرحيم

فتوى فقهية في واقعة توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك للمستحق

يعتمد هذا البحث على مبحث آخر لا بد من التعرض له، وهو (هل تغني الإباحة عن التمليك في إخراج الزكاة الواجبة؟) نص الحنفية والجمهور من الفقهاء على أنه لا تجزئ عن الزكاة الإباحة والإطعام، لأنه لا بد من تمليك لقوله تعالى {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} فكل ما جاء في القرآن المجيد بلفظ الإيتاء يشترط فيه التمليك لأن الإيتاء خاص معناه التمليك والاختصاص دون الإباحة والإطعام، لكن قالوا: إذا دفع الغني للفقير المطعوم ناويا الزكاة يجزئه، وذلك كما إذا وضعه في سقط ووضعه في يده بنية الزكاة، وكما لو كساه، لأنه بالدفع إلى الفقير بنية الزكاة يملكه، فيصير الفقير من أكل من ملكه، بخلاف ما لو أطعمه معه (١) .

وأجاز بعض الزيدية احتساب ما يقدمه لضيوفه الفقراء من الزكاة بشروط أولها: أن ينوي الزكاة، وثانيها: ثم أن تكون عين الطعام باقية كالثمر والزبيب، وثالثها: أن يصير إلى كل واحد ما له قيمته ولا يتسامح بمثله، رابعها: أن يقبضه الفقير أو يخلي بينه وبينه مع علمه بذلك، وخامسها: أن يعلم الفقير أنه زكاة لئلا يعتقد مجاوزاته ورد الجميل بمثله (٢) .

المقصد من المبحث

هل يصح توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق؟

لم يتعرض الفقهاء القدامى ولا المعاصرون فيما أعلم إلى هذا الأمر الجديد الذي يصح أن يسمى نازلة أو واقعة، وهي ما عمت به البلوى واحتاج الناس إليه في هذا العصر، فوجب النظر من جديد على ضوء القواعد الفقهية الكبرى في مذاهب فقهاء الأمصار.

والذي يظهر لي والله تعالى أعلم أنه يجوز ذلك (بشكل مؤقت لا بصورة دائمة) بشروط:

١- أولها: أن يكون هذا العمل الذي أجزناه استحسانا خلافا للقياس للضرورة، أو الحاجة بإشراف ولي الأمر أو من يفوضه كالقاضي الشرعي. والنص في صك تشغيل هذه الأموال على أنها مال الفقراء وحقهم الخاص، وأن هذا التوظيف مؤقت دعت إليه الحاجة، وأنه عند انتهاء هذا التوقيت فسوف تملك هذه الأموال للفقراء، ويوقع على ذلك القائمون على التوظيف مع تعهد رسمي بكاتب العدل بذلك، وربما احتيج إلى كفالة أو رهن أو توثيق حفظا لحق الفقراء في نهاية المطاف كي لا يكون ذلك التوظيف مدعاة لاختلاس هذه الأموال واغتصابها مع مرور الزمن كما حصل للعقارات الوقفية المؤجرة بالإجارة الطويلة، حيث اختلست في نهاية الأمر من هؤلاء المستأجرين أو من ورثتهم.


(١) رد المحتار: ٢ / ٣
(٢) شرح الأزهار وحواشيه: ٥٤٢، وفقه الزكاة: ٢ / ٨٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>