للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإجماع كما قال سماحة الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور –رحمه الله- إما مستند إلى دليل تلقاء الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر بينهم، وإما مستند إلى تضافر الأدلة الشرعية كقوله تعالى {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فعلق النهي عن الكفر وهو أعلم من الشرك وكقوله تعالى {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} في الآية الآنفة الذكر، والإشارة إلى المشركين والمشركات إلا لا وجه لتخصيصه بالمشركين خاصة لصلوحيته للعود إلى الجميع، وهي تعليل للنهي عن نكاح المشركات، وإنكاح المشركين، والدعاء إلى النار معناه الدعاء إلى أسباب الدخول إلى النار لأن ما هم عليه يجر إلى النار من غير علم.

ولما كانت رابطة الزواج رابطة اتصال ومعاشرة نهي عن وقوعها ممن يدعون إلى النار خشية أن تؤثر تلك الدعوة في النفس فإن بين الزوجين مودة وإلفا يبعثان على إرضاء أشدهما للآخر، ولما كانت هذه الدعوة من المشركين شديدة لأنهم لا يوحدون الله، ولا يؤمنون بالرسل كان البون بينهم وبين المسلمين في الدين بعيدًا جدًا، لا يجمعهم شيء يتفقون عليه فلم يبح الله مخالطتهم بالتزوج من كلا الجانبين.

أما أهل الكتاب فيجمع بينهم وبين المسلمين اعتقاد وجود الله، وانفراده بالخلق والإيمان بالأنبياء، ويفرق بيننا وبين النصارى الاعتقاد ببنوة عيسى من طرفهم وعدم اعتقادنا ذلك، وإيماننا برسالة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعدم إيمانهم بذلك، ويفرق بيننا وبين اليهود عدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وعدم تصديقهم بنبوة عيسى عليه السلام فأباح الله للمسلم أن يتزوج الكتابية، ولم يبح تزويج المسلمة من الكتابي اعتدادًا بقوة تأثير الرجل على امرأته فالمسلم يؤمن بأنبياء الكتابية، وبصحة دينها قبل النسخ فيوشك أن يكون ذلك جالبًا إياه إلى الإسلام لأنها أضعف منه جانبًا.

وأما الكافر فهو لا يؤمن بدين المسلمة ولا برسولها فيوشك أن يجرها إلى دينه لذلك السبب، وهذا كان يجيب به شيخنا الأستاذ سالم أبو حاجب عن وجه إباحة تزوج المسلم الكتابية ومنع تزوج الكتابي المسلمة (١)


(١) سماحة الأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور، التحرير والتنوير: ٢/ ٣٤٢ – ٣٤٣ بتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>