وهو الذي يسمى في الاصطلاح الفقهي: الإنسان المحترم أو المعصوم دمه. هذا الإنسان إما أن يكون كامل الأهلية رشيداً مستقلاً بأمر نفسه، أو لا. فهما إذن صنفان من الناس.
ونبدأ بالحديث عن الصنف الأول منهما، فنقول: هل لهذا الإنسان أن يتنازل عن عضو أو جزء من جسمه ليستفيد منه إنسان آخر، توقفت استمرارية حياته على ذلك؟
والجواب أن اقتطاع هذا العضو منه إن غلب على الظن تسببه للموت ـ أو بتعبير أصح: إن لم تتحقق الطمأنينة التامة بأن ذلك لن يؤثر على استقرار حياته وسلامتها ـ لم يجز منه الإقدام على ذلك، كما لا يجوز لأحد أن يكرهه على هذا التنازل، ولا يجوز للطبيب الجراحي أن يقبل على تنفيذه.
وعلة الحرمة واضحة، وهي أن الإنسان لا يملك الإيثار في نطاق حقوق الله عز وجل، وأصل الحياة حق الله سبحانه وتعالى، فليس للإنسان الذي يتمتع بها أن يهبها أو يؤثر بها أحداً غيره، وهذا هو الأساس في تحريم الانتحار. ونظراً إلى أن الأمر هنا متعلق بجوهر الحياة، وجوهر الحياة بين المستفيد والمستفاد منه، في هذه الصورة، واحدة دون أي تفاوت أو اختلاف، فليس ثمة من مصلحة تترجح بها حياة الأول على الثاني أو العكس. فالسبيل إذن أن يترك الأمر بعد جهد الطبابة والعلاج لقضاء الله عز وجل.
وهذا الحكم يوازنه في الطرف الآخر نقيضه الذي يذكره علماء الأصول في باب الإكراه. وهو حرمة إقدام (المكره) على قتل شخص ما لا يتعلق حق ما بحياته، وإن أيقن (المكره) أنه سيقتل إن لم ينفذ ذلك. فالعلة نفسها ترد هنا. وهي أن جوهر الحياة التي هي حق الله عز وجل واحد في شخص كل منهما، فلا تمتاز بأي مرجح إذ تكون في جسم أحدهما دون الآخر، ما دام كل منهما معصوم الدم. أما مظاهر التفاوت العارضة بين الناس في خدمة المجتمع أو السبق في الصلاح والتقوى، فلا دخل لشيء منها في تصنيف درجات أصل الحياة، وإن كان لهذا التفاوت أثره الذي لا ينكر في تفاوت الاهتمام والإكرام والتوقير في نطاق التعامل ضمن دائرة جنس الحياة الواحدة.