للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد علمنا فيما سبق أن الله لم يأذن لأحد من عباده بالتصرف في أصل الحياة، بأن يتسبب في إنهائها عندما يشاء، وإنما أمره وعزم عليه أن يرعاها في كيانه ويحافظ عليها ضد كل ما يتهددها من الأخطار k ولذا فهي من أبرز حقوق الله عز وجل.

أما أعضاؤه ودمه وعظامه وجلده، وسائر أجزاء جسده، فإن التصرف فيها من شأنه أن يؤول إلى أحد قسمين:

القسم الأول: تصرف يسري بصاحبه إلى الموت يقيناً أو ظناً ولو ظنا غير راجح، فهذا القسم من التصرفات متعلق بحقوق الله عز وجل بالتبعية واللزوم. ومن ثم فلا يجوز للإنسان أن يقدم على هذا النوع من التصرف بأعضائه مهما كانت الأسباب (١) .

القسم الثاني: تصرف ليس من شأنه أن يسري بصاحبه إلى الموت، لا يقيناً ولا ظناً، بل الشأن فيه أن لا يعقب أي ضرر بأصل الحياة، بل تبقى سالمة مستقرة، فهذا التصرف، ضمن هذا القيد، من حق العبد، أو بتعبير أدق حق العبد متغلب فيه على حق الله.

وبمقتضى هذا الحق، يسوغ للإنسان أن يذهب في استخدام عينيه لقراءة، أو يديه في صناعة أو قدميه في قطع مفاوز، مذهباً قد يلحق به عطباً كلياً أو جزئياً بهذه الأعضاء أو بعض منها، دون أن يكون ذلك منه عدواناً على حق الله أو تجاوزاً لحدود الشرع، ما دام أنه كان يتوخى في استخدامه لتلك الأطراف مصلحة مشروعة، ولم يكن يهدف إلى مجرد الإضرار بنفسه.


(١) لا يعترض على هذا بمشروعية الجهاد، إذ حتى في ساحة الجهاد، لا يجوز أن يقصد المجاهد إزهاق روحه، بل يجب أن يتجه القصد منه إلى تحصين الدين وحمايته من العدو المتربص به، مضحياً في سبيل ذلك بروحه إن اقتضت الضرورة. وذلك طبقاً لما يقتضيه أولوية مصلحة الدين على مصلحة الحياة في سلم المصالح الخمس

<<  <  ج: ص:  >  >>