للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الإمام الشاطبي، بعد أن أصل قاعدة الإيثار هذه في الفقه الإسلامي، موضحاً المصلحة التي تترجح على مفسدة إسقاط المؤثر حظ نفسه:

(والإيثار على النفس: وهو أعرق في إسقاط الحظوظ. وذلك أن يترك حظه لحظ غيره اعتماداً على صحة اليقين، وإصابة لعين التوكل، وتحملاً للمشقة في عون الأخ في الله على المحبة من أجله. وهو من محامد الأخلاق وزكيات الأعمال. وهو ثابت من فعل رسول الله وعمله المرضي) وبعد أن استشهد بطائفة من الأحاديث الواردة في الإيثار والمبينة لحدوده قال: (وتحصل أن الإيثار هنا مبني على إسقاط الحظوظ العاجلة. فتحمل المضرة اللاحقة بسبب ذلك لا عتب فيه إذا لم يخل بمقصد شرعي. فإن أخل بمقصد شرعي فلا يعد ذلك إسقاطاً للحظ ولا هو محمود شرعاً) (١) .

وقد ذكر السيوطي في الأشباه والنظائر قاعدة الإيثار هذه، مفرقاً بين حقوق الله وحقوق العباد ثم قال: (ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته، كان له ذلك وإن خاف فوات مهجته) (٢) . وذكر ابن نجيم نحو ذلك أيضاً (٣) .

يترتب على هذا الذي أوضحناه، أن للإنسان أن يتنازل عن أي من أجزاء جسده أو دمه لإنسان آخر ذي حياة محترمة مشرف على الهلاك، قرر طبيبان عدلان أن زرع ذلك العضو أو الجزء في جسده ينقذه من الهلاك ويمتعه بحياة سليمة، وأن اقتطاعه من جسم الأول لا يسبب هلالكه، بل يظل متمتعاً بحياة مستقرة سليمة.


(١) الموافقات. ٢/٣٥٥ و ٣٥٦
(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي: ١٠٤، ١٠٥
(٣) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>