الصنف الثاني: وهو الإنسان الذي لا يتمتع بأهلية كاملة يستقل بها بإرادة شؤون نفسه، كالطفل وكالمجنون. فمن الثابت أن هذا الصنف من الناس لا يملك أن يستقل بالتصرف في هذا الأمر، الذي هو من أخطر شؤونه الشخصية، ومن ثم فإن القيام بالإيثار الشرعي لا يتأتى منه.
ولكن هل يملك أن يقوم عنه بهذا الأمر وليه كأبيه وعمه مثلا؟
والجواب أن وليه أيا كان ـ سواء كان يتمتع بالولاية الخاصة أو العامة ـ لا يملك مثل هذا التصرف بشيء من أجزاء جسد موليه، ولا حتى بماله أو أي من حقوقه الأخرى.
أي أن الإيثار لا يتأتى إلا من الأصيل صاحب الحق ذاته.
وبيان ذلك أن تصرف الولي إنما هو بمقتضى حكم الولاية. لا بمقتضى عقد الوكالة.
إذ لا تتأتى الوكالة هنا، ذلك لأن من شروط صحة عقد الوكالة، أن يملك الأصيل التصرف الذي يطالب به الوكيل. ومن المعلوم أن الأصيل لا يملك مثل هذا التصرف بنفسه، فأحرى أن لا يملك تنفيذه بواسطة غيره.
فإذا ثبت أن تسلط الأب أو من يقوم مقامه على حقوق الطفل ونحوه، إنما هو بحكم الولاية عليه لا النيابة عنه، فإن من القواعد الثابتة التي لا نعرف فيها خلافاً أن تصرف الولي منوط بما هو الخير والمصلحة لموليه. ومن ثم فلا ينفذ من تصرفاته بحقوقه، إلا ما كان على وجه الغبطة والمصلحة له.
وعلى هذا، فليس لولي الطفل أو المجنون، سواء كان ذا ولاية خاصة أو عامة، أن يتبرع عنه بكلية أو أي من أجزاء جسده، لمضطر من الناس، أيا كان شأنه ومهما بلغت ضرورته. لما في ذلك من إلحاق الضرر البين بموليه، نعم إن ثبت بشهادة طبيبين عدلين أن أخذ شيء من دمه لمريض محتاج إلى الدم، ينشطه ويحقق له فائدة صحية، كأن يكون دمه أكثر من القدر الذي ينبغي، فالمسألة تختلف عندئذ، إذ تصبح خاضعة حينئذ لقاعدة: تصرف الولي منوط بالمصلحة للمولي.
أما في سائر الصور الأخرى للمسألة، فلا يجوز مثل هذا التصرف قط.