الموت الذي نتحدث عنه في هذا الصدد، هو الموت ذاته الذي تترتب عليه جملة الأحكام الشرعية من ميراث وانفصام لعرى الزوجية وعدة وفاة وانقطاع عهد التكليف، ووجوب التجهيز والدفن، وغير ذلك. إذ ليس لدينا في الاصطلاح الشرعي أو اللغوي أو الطبي أكثر من حقيقة واحدة للموت. فما هو الموت الذي تعارف الناس جميعاً على معناه، والذي هو مناط لأحكام شرعية كثيرة؟
هو: مفارقة الروح للبدن مفارقة تامة. وإن شئت فقل: رعاية لمن لا يفهمون الروح ولا يتعاملون مع هذه الكلمة. هو انقطاع الحياة عن البدن انقطاعاً تاماً. ولا نحسب أن ثمة أي خلاف بين فئات الناس في أن هذا هو معنى الموت.
غير أن خلافاً قد يقع اليوم في الدليل الذي يمكن أن يعتمد على تحققه ووقوعه.
فالدليل المعتمد لذلك شرعاً هو سكون النبض ووقوف حركة القلب وقوفاً تاماً. إلا أنه يجب الاحتياط والتحري بتلمس أدلة أخرى، كلما حامت الشبه وظهرت موجبات الشك والريبة، لاسيما من جراء الأسباب التي أدت إلى الموت. قال النووي نقلاً عن الشافعي في الأم:
( ... فإن مات فجأة، لم يبادر بتجهيزه، لئلا تكون به سكتة، ولم يمت. بل يترك حتى يتحقق موته) . ثم قال:(وذكر الشافعي والأصحاب للموت علامات، وهي أن تسترخي قدماه وينفصل زنداه ويميل أنفه وتمتد جلدة وجهه) . زاد الأصحاب:(وأن ينخسف صدغاه)(١) .
أقول: ولعل من الضروري في كل الأحوال الاستعانة بالطبيب للوصول إلى اليقين، لاسيما في حالات خاصة كالموت صعقاً أو غرقاً أو احتراقاً أو تردياً في جبل، أو على أثر عملية انتحار كتناول أقراص مميتة بنوعها أو كميتها.
(١) المجموع: ٥/١٢٤ و ١٢٥ وانظر المغني لابن قدامه: ٢/٤٥٧