للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الاستفادة من جسد الميت:

بعد أن حررنا المعنى المقصود شرعاً بالموت، نعود إلى أصل المسألة، فنتساءل: هل يجوز اقتطاع جزء من الميت ليستفيد منه حي محترم معصوم الدم، في إنقاذ حياته المهددة بالموت، أو في استعاضة عضو سليم بعضو تالف منه؟

نعيد إلى الذاكرة، القاعدة الرابعة من جملة القواعد التي ألمحنا إليها في مقدمة هذا البحث، وهي: كل ما كان حقاً للعبد يورث بالموت عينياً كان أو معنوياً، ولا شك أن الكرامة، بل القداسة التي متع الله بها الإنسان حق من حقوقه، فهو مخول بالدفاع عنها والمخاصمة في سبيلها أو التنازل عنها بالتجاوز والعفو، أي ضمن حدود معنى الإيثار.

فإذا مات الإنسان، آل حق كرامته الشخصية هذا إلى ورثته فهم المخولون في رعايتها والمحافظة عليها أو التنازل عنها بالإيثار ضمن حدوده الشرعية التي سبق بيانها.

ولعل من أبرز الأمثلة المندرجة في هذا الحق، موت المقذوف قبل مطالبته بحقه في إقامة الحد على القاذف، فإن الحق ينتقل إلى ورثته، فإن شاؤوا أقاموا الدعوى، وطلبوا إقامة الحد على القاذف، وإن شاؤوا عفوا (١) . نعم خالف الحنفية في ذلك، فذهبوا إلى أن حق المقذوف يسقط بموته ولا يورث.

غير أن مخالفتهم ليست في العمل بهذه القاعدة والأخذ بها، بل هي محل اتفاق من الجميع. وإنما سبب مخالفة الحنفية هنا للجمهور، ما يرونه من أن إقامة الحد على القاذف حق لله عز وجل. أو المتغلب فيها هو حق الله عز وجل. ولذا فهو لا يورث، تطبيقاً منهم للقاعدة ذاتها (٢) .

وبناء على هذا، ولما كان اقتطاع جزء من الميت مخلاً بكرامته من حيث هو إنسان مكرم، بحيث لو كان حياً لكان له حق المنع، رعاية لكرامته، وحق الإذن إيثاراً وإسقاطاً لحظه ـ فإن النظر في هذا الحق يؤول، بسبب موته، إلى ورثته، فإن شاؤوا منعوا، ولا سلطان عليهم من أحد، وإن شاؤوا تجاوزوا حقهم وسمحوا باقتطاع عضو أو جزء مورثهم لإسعاف من اقتضت الضرورة إسعافه.


(١) انظر بداية المجتهد: ٢/ ٤٣٣ وحاشية الدسوقي: ٤/ ٣٣١ والفروق للقرافي: ١/ ١٤١
(٢) انظر بدائع الصنائع: ٧/ ٥٦ وحاشية ابن عابدين: ٤/ ١٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>