للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلنوضح حكم كل من هاتين الحالتين على حدة:

الحالة الأولى: مما لا ريب فيه أن مصلحة الحق العام هي الراجحة، بل لا ريب أن مصلحة رعاية كرامة الميت منطوية في مصلحة الحق العام، بمعنى أن كرامة الميت آيلة إلى التمزق والهدر، إن لم تراع مصلحة الحق العام في حفظ العدالة وتحقيق مقتضياتها.

ولهذا الذي نقول مستند قوي في تراثنا الفقهي المتمثل في أحكام أخذ بها الجمهور، تدعم هذا المبدأ الذي نقرره في هذه المسألة، وهو اتفاق جمهور الفقهاء على أن الرجل إن اغتصب جوهرة ثمينة من صاحبها، فابتلعها ثم مات، وغلب على الظن إمكان الحصول عليها بشق بطنه، وجب شق بطنه لاستخراج الجوهرة منه، إن حرص صاحبها على المطالبة بحقه. ومثل ذلك اتفاقهم أيضاً على وجوب شق بطن الحامل، إن ماتت وقرر الأطباء أن جنينها حي، وأن استخراجه من رحمها حياً ممكن يقيناً أو ظناً (١) .

ومن المعلوم أن الحق الذي يتعلق بجثة الميت لاستخراج الجنين أو لاستخراج الجوهرة الثمينة، إنما هو حق خاص عائد إلى شخص بعينه. فإذا كانت رعاية الحق الخاص تستدعي ـ فيما أجمع عليه جمهور الفقهاء ـ إخضاع جسم الميت للتبضيع والتمزيق، فلأن تستدعي رعاية الحق العام ذلك، من باب أولى.


(١) أما مسألة ابتلاع قدر كبير من المال أو جوهرة ثمينة اغتصاباً، فالحكم فيها محل اتفاق ولا نعلم فيها خلافاً، إلا أن يسقط المالك حقه، وأما مسألة الجنين الحي عندما تموت أمه، فقد خالف فيها ـ من حيث الظاهر ـ الحنابلة، نظراً منهم إلى أن حياة الجنين غير مؤكدة، واستنقاذه حيا غير معلوم، (انظر المغني لابن قدامة: ٢/ ٤٥٨) ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار تقدم الطب في هذا العصر، وإمكان الحصول على اليقين العلمي بأن الجنين حي أم لا، وبأن استخراجه حياً ممكن يقيناً، فإن العلة التي من أجلها خالفت الحنابلة الجمهور تزول، ويعود مظهر الخلاف إلى الوفاق. هذا وقد كتب العلامة الشيخ يوسف الدجوي مقالاً مفصلاً في مسألة تشريح الجثة في مجلة نور الإسلام مجلد ... عدد ... فليرجع إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>