وأما إن قتل إنسان نفسه خطأ أو قطع عضواً من أعضائه، فقد اختلف في إيجاب الدية والكفارة أيضاً:
فأما إيجاب الدية على العاقلة، كما هو الشأن في الجناية خطأ على الغير، فيرى بعض الحنابلة (القاضي) أن على عاقلته ديته لورثته إن قتل نفسه، أو أرش جرحه إذا كان أكثر من الثلث، وهو قول الأوزاعي وإسحاق، وذلك لما روي أن رجلاً ساق حماراً فضربه بعصى كانت معه، فطارت شظية ففقأت عينه، فجعل عمر ديته على عاقلته وقال:(هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد) ولم نعرف لعمر مخالفاً في عصره، ولأنها جناية خطأ، فكان عقلها على عاقلته كما لو قتل غيره، فعلى هذا الرأي إن كانت العاقلة الورثة لم يجب شيء؛ لأنه لا يجب للإنسان شيء على نفسه، وإن كان بعضهم وارثاً سقط عنه ما يقابل نصيبه، وعليه ما زاد على نصيبه، وله ما بقي إن كان نصيبه من الدية أكثر من الواجب عليه.
ويرى أكثر أهل العلم (الحنفية والمالكية والشافعية وقول للحنابلة، وربيعة والثوري) أن جنايته هدر؛ وذلك لأن عامر بن الأكوع بارز مرحباً يوم خيبر فرجع سيفه على نفسه فمات ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بدية، ولا غيرها، ولو وجبت لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه جنى على نفسه فلم يضمنه غيره كالعمد، ولأن وجوب الدية على العاقلة إنما كان مواساة للجاني وتخفيفاً عنه، وليس على الجاني ههنا شيء يحتاج إلى الإعانة والمواساة فيه، فلا وجه لإيجابه، ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية على غيره؛ فإنه لو لم تحمل العاقلة موجب الجنابة خطأ على الغير لأجحف به وجوب الدية لكثرتها.