للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ طه جابر العلواني:

بسم الله الرحمن الرحيم.. من الواضح أن الجهد الذي بذله الشيخ يوسف بارك الله فيه جهد جيد، وكذلك الأخوان الباحثان الآخران، ولكن لي بعض الملاحظات العامة وبعضها خاص. فمنذ فترة قصيرة والأصوات تتعالى حول صرف الزكاة لهذا المصرف، أو ذاك من المصارف العامة، والفتاوى بقبول ذلك أو المنع منه كثرت وتنوعت بشكل كبير دون نظر مستفيض شامل في دوافع هذه النداءات وغاياتها.

ومن المعروف أنه في الفترات الحالكة من تاريخنا الإسلامي وهي فترات كثيرة أن أهم الوسائل التي حفظت للمسلمين علاقاتهم، وحفظت لهم مجتمعهم، وحفظت لهم حضارتهم بعد أن انهارت سائر المؤسسات الرسمية، كان جهاز الوقف، وجهاز الزكاة والصدقات، فالوقف كان يساهم في حماية المؤسسات الإسلامية من المساجد والمدارس ونحوها، الزكاة كانت هي التي تحفظ الصلة بين أغنياء المسلمين وفقرائهم، وتديم الترابط فيه، ونظام الصدقات بين أبناء المجتمع الإسلامي.

وأود أن أفترض أن كثيرا من هذه النداءات مخلص، ولكن بعض هذه النداءات فيه نظر، وربما يكون مصدر النظر فيه أن هذه الزكاة هي نسبة ضئيلة جدا من المال، وهذه النسبة الضئيلة قد حدد الله سبحانه وتعالى مصارفها، وبين هذه المصارف بشكل ليس فيه إجمال أو غموض، فما لنا نحاول بين الفترة والأخرى أن نهجم على هذه النسبة بعد أن هجم على كثير من الأموال.

إن صندوق التضامن الإسلامي أو أية مؤسسة من مؤسسات الحكومات الإسلامية أو الدول الإسلامية، يمكن إغناؤها بأي مورد من موارد هذه الدول، يمكن إغناؤها بأية فضلة زائدة، ولكن دائما يكون توجه البحث والنظر نحو ما بيد الأفراد. لم لا نطالب هذه الحكومات وهذه الدول بأن تضغط بعض مصروفاتها، بأن تحول أن تحول شيئا من مواردها في هذا الاتجاه، وبالتالي تستطيع أن تغني هذا الصندوق الذي نقدر أهدافه ونحترمها حق الاحترام وحق التقدير، ولكن لهم في موارد كثيرة أخرى من موارد الحكومات والدول لهم فيها غنى وكفاء عن هذه الزكاة التي حدد الله مصارفها، وحدد الوجوه التي ينبغي أن تستخدم فيها، وبقيت هي الوسيلة الوحيدة التي تربط بين أغنياء المسلمين وفقرائهم، فلماذا نحاول بين الفترة والأخرى إثارة قضيتها، ومحاولة مصادرتها وتحويلها إلى الجهة الرسمية، ومحاولة القضاء على أية صلة بين أغنياء المسلمين وفقرائهم!؟ هذه ملاحظتي فيما يتعلق بهذا الأمر، فأعتقد أن البحث ينبغي أن يحول إلى مطالبة الدول الأعضاء بصرف ما يمكن أن تصرفه من أي باب من أبواب مواردها لهذا الصندوق وإغنائه للقيام بواجباته وتحقيق أهدافه الخيرة. وأما مسألة الزكاة بما في ذلك ما يحتمله قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} فينبغي أن ننأى بها في هذا الوقت بالذات عن أن تكون موضع بحث في هذا المجال، ونحن نعلم أن الكثيرين، أو كثيرا من الأنظمة تتطلع للاستيلاء عليها وحجبها عن الفقراء والتصرف فيها بطريقتها الخاصة بهذه الحجة أو تلك. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>