وذكر الغزالي في مبحث الاستصلاح: أن توظيف الخراج من المصالح فإذا خلت الأيدي من الأموال , ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر , ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب؛ لخيف دخول الكفار بلاد الإسلام , أو خيف ثوران الفتنة , فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند. . . لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران , قصد الشرع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين. وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام عن ذي شوكة يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور , وكان هذا لا عن شهادة أصول معينة (١)
ولإمام الحرمين كلام نفيس لا يتسع له المقام , فهو يبسط القول ويقلبه على مختلف الوجوه وشتى الاحتمالات , ويعد لكل حالة فصلًا مطولًا , ويستطرد في ذكر الفروض والأمثلة , نقتصر منه على موضع الاستشهاد , فيقول: فأما الفصل الثالث منها , وهو أهمها , فالغرض ذكر ما تقتضيه الإيالة الشرعية والسياسة الدينية فيه , فإذا اصفرت يد راعي الرعية عن الأموال والحاجات ماسة , فليت شعري كيف الحكم , وما وجه القضية , فإن ارتقب الإمام حصول أموال في الاستقبال , ضاع رجال القتال , وجر ضياعهم أسوأ الأحوال , وإن استرسل في مد اليد إلى ما يصادفه من مال من غير ضبط الشرع في الأقوال والأفعال , وقد قدمنا حيثما سبق ألا نحدث لتربية الممالك في معرض الاستصواب مسالك لا نرى لها من شرعة المصطفى مدارك، فإن بلي الإمام بذلك , فليتئد , وليمعن النظر هناك , فقد دفع إلى خطتين عظيمتين:
إحداهما: تعريض الخطة للضياع.
والثانية: أخذ مال في غير استناد استحقاقه إلى مستند معروف مألوف , فإذا خلا بيت المال , انقسمت الأحوال ونحن نرتبها على ثلاثة أقسام , ونأتي في كل قسم منها بما هو مأخذ للأحكام , ونمزج القضايا السياسية بالموجبات الشرعية , فلا تخلو الحال , وقد اصفر بيت المال من ثلاثة أنحاء:
(١) المستصفى: ٢ - ٣٠٣،٣٠٥.