للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أفتى الحنفية بجواز النزول عن الوظائف بمال كالإمامة والخطابة والأذان ونحوها، استنادا إلى الضرورة وتعارف الناس، وبالقياس على ترك المرأة قسمها لصاحبتها (الضرة) لأن كلا منهما مجرد إسقاط للحق، وقياسا على أنه يجوز لمتولي الأوقاف عزل نفسه عند القاضي، ومن العزل: الفراغ عن وظيفة النظر أو غيره، وقد جرى العرف بالفراغ بعوض (١) .

واستدل بعض العلماء على جواز مسألة (النزول عن الوظائف بمال) بما صنعه سيدنا الحسن رضي الله عنه – سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم – من تنازله عن الخلافة وقبوله الراتب. وربما نوقش هذا بأن ما كان يأخذه السيد الإمام رضي الله عنه، لم يكن عوضا عن التنازل عن أمر الخلافة فحسب، لأن الخلفاء قد تعودوا منح الوظائف والرواتب غيره كثيرا من الصحابة والتابعين، فلم يكن راتب سيدنا الحسن عوضا عن تنازله على الخلافة.

وصرح الشافعية أثناء كلامهم عن صيغة عقد البيع بقولهم: (لا يبعد اشتراط الصيغة في نقل اليد في الاختصاص – أي عند التنازل عن حيازة النجاسات لتسميد الأرض كأن يقول: رفعت يدي عن هذا الاختصاص، ولا يبعد جواز أخذ العوض عن نقل اليد، كما في النزول عن الوظائف) (٢) .

فالنزول عن الوظائف جائز بعوض وبغير عوض، كما قالوا.

إلا أن ذلك كله مقيد شرعا- حال تنازل المستأجر عن منفعة المأجور – بمدة الإيجار المتفق عليها. فإن تنازل المستأجر لغيره بعوض بعد انتهاء مدة الإيجار، فلا يجوز ذلك شرعا إلا برضى المالك وإبرام عقد إجارة جديد.


(١) الدر المختار ورد المحتار لابن عابدين: ٤: ١٥، إتحاف الأبصار والبصائر: ص٢٣٧
(٢) حاشية البجيرمي على شرح الخطيب: ٣/٣، نهاية المحتاج للرملي: ٥/ ٣٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>