للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضل الأمة الإسلامية

قال تعالى مبينا فضل هذه الأمة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} . (١) .

وأصل الوسط الموضع الذي هو الجزء بين الطرفين.

والوسط مركز الاتزان والاعتدال، يقول الزمخشري في هذا: (الوسط عدل بين الأطراف، ليس بعضها أقرب من بعض) . (٢)

وقد تعارف الناس على ذم الذي يمسك أحد طرفي الشيء ولا يلزم موضع الاعتدال، فتراهم يقولون: فلان متطرف في أمره في مقام الذم، كما يقولون: فلان معتدل في مقام المدح.

والسر في ذلك أن العباد في أكثر أحوالهم يجنحون إلى الإفراط أو التفريط، فترى بعضهم يجنح إلى الغلو في الرهبنة والتعبد حتى يتركوا الزواج والملذات ويسكنوا الفيافي والقفار، وآخرون يغرقون في العب من الشهوات بالملذات بعيدا عن مقاصد الشرع وضوابطه، واتباع المنهج الوسط الذي يحقق الاعتدال والاتزان يقضي بأن يعيش المرء في دنياه آخذا منها قدرا أباحه الله من الطيبات في الوقت الذي يؤدي حق ربه، ويكون همه تحقيق مراد الله منه.

يقول الطبري في تفسير الوسط: (وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضوع هو الوسط الذي بمعني الجزء الذي هو بين طرفين، مثل وسط الدار، وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلو بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم مقصرين فيه تقصير اليهود، الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياء الله، وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها) . (٣)

والوسط هو الأفضل والأحسن لأمرين:

الأول: أن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأعوار، والأوساط محمية محوطة، كما يقول الزمخشري (٤) ، ومنه قول الطائي:

كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا


(١) البقرة: الآية (١٤٣)
(٢) الكشاف: ١/٣١٧
(٣) تفسير الطبري: ٢/٦
(٤) تفسير الزمخشري: ١/٣١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>