للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عندك حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلي باسم منتقم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

إن البلاء الأعظم الذي أصاب البشر كما يعلمنا القرآن –هو اختلافهم في الدين، وذلك باتخاذهم من دون الله أندادا، وعدم استقامتهم على دين الله ومنهجه، وفي ذلك يقول رب العزة: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} . (١)

ويقول في موضع آخر: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} . (٢) وقد فسر ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أسلم الأمة الواحدة التي وردت في النصين السابقين بالدين الواحد. (٣)

والتقطع الذي أشارت إليه الآيتان هو التفرق والاختلاف وعبادة غير الله واتباع غير منهجه، وقد لا يصل الأمر إلى عبادة غير الله، ولا إلى الخروج عن دين الله خروجا تاما، ولكن الأمة تختلف في الأصول، وكل هذا يفرق الأمة، وقد أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن هذا البلاء قد أصاب الأمم من قبلنا، وأنه سيصيب هذه الأمة كما أصاب غيرها من قبلها.

ففي سنن أبي داود ومسند أحمد بإسناد صحيح عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: ((ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة)) . زاد في رواية: ((وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقي منه عرق ولا مفصل إلا دخله)) (التجاري: الوقوع في الأهواء الفاسدة. والتداعي فيها تشبهها بجري الفرس, والكلب: داء معروف يعرض للكلب إذا عض حيوانا عرض له أعراض رديئة فاسدة قاتلة، فإذا تجارى بالإنسان وتمادى هلك) .


(١) سورة المؤمنون: (٥٢، ٥٣)
(٢) سورة الأنبياء: (٩٢، ٩٣)
(٣) تفسير ابن كثير: ٤/ ٥٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>