للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم أن موارد ضخمة للغذاء في البر والبحر جاهزة لكشف النقاب عنها، وأن التقنيات العلمية الحديثة قادرة على مضاعفة الإنتاج النباتي والحيواني أضعافا مضاعفة، عن طريق الهندسة الوراثية، وأن جزءا من مائة من ميزانيات التسلح، لو وجه هذه الوجهة، لكان بليغ الأثر في سد الهوة بين السكان وبين الموارد، أما العالم الثالث الفقير الذي انهمرت دموع العالم الأول أسفا على فقره وعوزه فأحسب أن الذي يقصم ظهر اقتصاده حقيقة ليس هو النمو السكاني بقدر ما هو مقدار الربا الباهظ الذي يستأديه منه العالم الأول عن ديونه، حتى بات الاقتصاد القومي عاجزا عن الوفاء بفوائد الديون المتنامية فضلا عن الديون نفسها.

على أنني لا أريد أن أذكر بعض الحقيقة وأطوي بعضها فأكون قارفت الكذب وإذا بدا حديثي وكأنه ضد تحديد النسل فعلي أن أسائل نفسي: ماذا يستطيع بلد من البلاد عالية التكاثر كبلدي مصر على سبيل المثال- لا التحديد – أن يفعل إذا كان مقدار التنمية أقل من أن يشبع عدد الأفواه الجديدة التي تولد في كل عام؟ وكيف ألوم أسرة بذاتها إن طحنتها أعباء الحياة فلجأت إلى تحديد النسل، أو الدولة إن ناءت مواردها فشجعت الناس على هذا التحديد؟ ولقد هبت على ذلك عاصفة من الانتقادات، بعضها يرتكز على حجج سليمة، ولكن بعضها يستشهد بقول الله {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم خَشْيَةَ إمْلاَقٍ} [الإسراء: ٣١] ، وقوله {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: ١٥١] والاستشهاد هنا في غير موضعه، فليس في منع الحمل قتل ولد لا بعد أن يولد ولا قبل أن يولد وهو بعد جنين، وهو ما فرق فيه الغزالي بين منع الحمل والإجهاض، فقال: وليس ذلك كذلك، فإن هذا أي الإجهاض عدوان على موجود حاصل إلى آخر ما قال، وعلى الرغم من أنني أبصر وجه الضرورة التي تلجئ مصر وأمثالها من بلاد العالم الإسلامي إلى الأخذ بسياسة تحديد النسل، فإن هذه السياسة في اعتقادي لا تمثل العلاج الإسلامي لهذه المشكلة، والجفوة بينها وبين الحل الإسلامي ليس مسئولية مصر وحدها ومن لف لفها، وإنما أصل الخلل في نظري هو أن العالم الإسلامي لا يتصرف على أنه عالم إسلامي، ما زال القطر من أقطاره ينظر إلى غيره على أنه الآخر، وليس "الأنا".. ما زال هناك القطر الذي ينوء بالغنى والقطر الذي ينوء بالفقر.. الأرض الخصبة في مكان، والسواعد المدربة في مكان، والمال الوافر في مكان ثالث.. ولكنها لا تلتقي ولو كانت كلها للإسلام لالتقت، ويقول الله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: ٩٢] فنسمع ولا نلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>