وكانت المعركة التالية: معركة إباحة الإجهاض وجعله حقا لكل من تطلبه، وكانت الآثار الأخلاقية لذلك بالغة المدى، فأغلبية المجهضات على مستوى العالم غير متزوجات، وفيما طالعت في مؤتمرات فقهية سابقة من تناول لموضوع الإجهاض واختلاف عليه، فإن الصاحي لمجريات الأمور في عالمنا الحاضر يدرك بوضوح، أنه لو لم يكن هناك من داع لمنع الإجهاض إلا باب سد الذارائع لكفى وزاد.
ونحسب أن موضوع الإجهاض قد حسم الآن في أكثر من مؤتمر إسلامي، باعتبار حياة الإنسان محترمة في كافة أدوارها، حتى دورها الجنيني، فلا يجوز إهدارها إلا لإنقاذ حياة الأم ... وبينما ظن الفقهاء السابقون منذ قرون عديدة أن بدء الحياة قرين نفخ الروح الذي أورده حديث الأربعينات، أو إحساس الأم بحركة الجنين في بطنها، وكلاهما يكون في نهاية الشهر الرابع للحمل، تنبئنا المعطيات العلمية الحديثة، أن حياة الفرد منا قد بدأت قبل ذلك بكثير، بدأت في الواقع منذ بدايتها، بالتحام الحيوان المنوي وهو نصف خلية بالبويضة وهي نصف خلية ليكونا الخلية الكاملة، ذات الحصيلة الإرثية، التي تميز الجنس الآدمي عامة، كما تميز إنسانا فردا بعينه، لم يتكرر بتمامه، ولن يتكرر منذ آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والمطلع على أحكام الفقه الإسلامي عن الجنين في باب الإرث وباب الديات وباب رعاية الحامل وعبادتها وأحكامها، يدرك أن للجنين في الإسلام أهلية وجوب ناقصة من حيث إن له حقوقا، وإن لم تكن عليه واجبات، ويزيد الأمر وضوحا أن نعلم أنه إذا حكم على امرأة بالإعدام وكانت حاملا في أية مرحلة من الحمل، مهما كان باكرا، فإن تنفيذ الحكم يؤجل، حتى تلد وترضع احتراما لحق هذا الجنين في الحياة، مهما كان باكرا وحتى لو كان الحمل من سفاح.