أما الثالثة في مجال التحديد بعد المنع والتجهيض، فجراحات التعقيم، وهي كذلك موجة عالمية اجتماعية سياسية خارج نطاق الطب، يدعو أهلها إلى تعقيم أعداد أزيد وأزيد من النساء في أعمار أصغر وأصغر وعدد أولاد أقل وأقل.
وجراحة التعقيم أمر محدث لم يرد فيه نص، ولكن مما يدل على أن اتخاذ القرار بها أمر خطير للغاية، أن نعلم أنه في باب الديات فإن الإصابة التي تفضي إلى منع القدرة على النسل تستحق دية نفس كاملة، ولهذا نرى حصرها في الضرورة الطبية، أو عندما تكون الفترة الإنجابية قد قاربت نهايتها، خاصة وفي الوسع تدبير البديل من وسائل منع الحمل المؤقتة بدلا من إجراء جراحة لا تضمن الرجعة فيها، إن تغيرت الظروف بتغيير الزوج أو فقد الأولاد، ويكون الندم ولات حين مندم.
نقول تنظيم النسل وتحديده فما الفرق بينهما؟ تاريخيا – وقد عاصرت ذلك – بدأت الحركة بشعار منع الحمل، فلما أثار غبارا غيرته لتحديد النسل، فلما أثار غبارا غيرته لتنظيم النسل، أو تنظيم الأسرة بقصد المباعدة بين الأحمال، وصولا إلى العدد المناسب لكل أسرة من الأطفال، ثم دخل في نطاقه كذلك معالجة العقم بالوسائل المختلفة، أي على العموم بالزيادة أو النقصان من الحمل، وليس الانتقاص فقط. وقبل أن نتطرق إلى موضوع علاج العقم نود أن نشير إلى مسألة إرضاع الأمهات أولادهن من أثدائهن رضاعا طبيعيا، وهو ما يحوز رضاء الإسلام بلا شك، بل قدر القرآن له سنتين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ولو تم ذلك لكان أنجع وسيلة للمباعدة بين الأحمال، نظرا لأن للرضاع أثرا سلبيا على التبويض، ومن ثم على الخصوبة، فضلا عما فيه من فوائد للمواليد والوالدات، جسمية ونفسية، ولو كان الأمر بيدي لطوعت كل الظروف واستعنت بكل الوسائل للاستغناء عن الحليب الصناعي، وتمكين الوالدات العاملات والمتفرغات من أداء الرضاع الطبيعي، وننتقل إلى علاج العقم ما دمنا أدخلناه في زمرة التنظيم.. فنقول إن الحرص على الذرية أمر فطري، وإن السعي إليها لمن حرمها مطلب مشروع ما دام يتم بوسائل مشروعة، ووسائل ذلك الآن عديدة بتعدد الأسباب التي تحول دون الحمل، ولا يستطيع الطب الآن ولا نحسبه سيستطيع في المستقبل أن يكفل الشفاء في مائة بالمائة من الحالات، فمن يشأ الله يبق عقيما وقد عرضت مؤتمرات طبية – فقهية سابقة لطائفة من الوسائل الحديثة التي ابتكرها الطب الغربي والمعروف أنه لا يتقيد بدين.