وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني:((أوإنكم لتفعلون؟)) يحتمل الاستنكار على وجه الكراهة التنزيهية، ويحتمل الاستنكار على وجه التحريم، كما أن قوله في الحديث الثالث والرابع:((لا عليكم ألا تفعلوا)) ، يحتمل الإذن والنهي، إذ يحتمل أن يكون معنى هذه الجملة ليس عليكم أن تتركوا ذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: لا تعزلوا وعليكم إثم ذلك.
إلا أن نص الحديث السادس وهو قوله:((اعزل عنها إن شئت)) رفع الاحتمال من كلا الجملتين، فبقيت الجملة الأولى دالة علي الكراهة، أما الثانية فدالة على عموم الإذن وعدم الحرج.
وإذن فإن سبعة أحاديث من مجموع ما أوردناه تدل على جواز العزل من حيث المبدأ ويقطع النظر عن الإباحة والكراهة. أما الحديث الذي يدل ظاهره على المنع فهو حديث جذامة بنت وهب، فما القول فيه؟
كيف نفهم حديث جذامة؟
نبدأ أولًا فنذكر الوجوه التي ذكرها العلماء في التوفيق بينه وبين الأحاديث الأخرى، ثم نختار من بين هذه الوجوه ما قد يبدو لنا أنه الأقرب والأوفق.
الوجه الأول: وذكره النووي في شرحه على مسلم، ويفهم من كلام الطحاوي في شرح معاني الآثار أن حديث جذامة يحمل النهي فيه على كراهة التنزيه، ويحمل الإذن الوارد في الأحاديث الأخرى على عدم الحرمة، فيكون القدر المشترك في دلالة الأحاديث كلها هو كراهة التنزيه (١) .
(١) النووي على مسلم: ١٠/٨، وشرح معاني الآثار للطحاوي: ٣/٣٠.