للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: تضعيف حديث جذامة بسبب كثرة الأحاديث الصحيحة المعارضة له، وبسبب أن حديث تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لليهود أكثر طرقًا، إذ أن النسائي قد أخرجه من طريق هشام وعلي بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مطيع عن أبي سعيد.. ومن طريق ابن عامر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة.. ومن طريق سليمان الأحول أنه سمع عمرو بن دينار يسأل أبا سلمة بن عبد الرحمن عن العزل، فقال: زعم أبو سعيد.. إلخ، قال: فسألت أبا سلمة: أسمعته من أبي سعيد؟ قال: لا، ولكن أخبرني رجل عنه.

فهذا الطريق الأخير وإن كان فيه مجهول، إلا أنه معزز بالطرق المذكورة الأخرى وهي في مجموعها، بالإضافة إلى الأحاديث الأخرى الصريحة في جواز العزل، تقضي بضعف حديث جذامة المنفرد في مضمونه عن كل ما قد روي عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.

الوجه الثالث: أن مضمون حديث جذامة وهو المنع، كان معمولًا به في أول الإسلام، ثم إنه نسخ فيما بعد بالأحاديث الأخرى الدالة على الجواز.

الوجه الرابع: وإليه ذهب ابن حزم، أن حديث جذامة هو الذي يجب العمل به، لثبوته في الصحيح، ولاضطراب الطرق الواردة للحديث المقابل له، ولأن حديث جذامة دال على المنع، فهو رافع لحكم الإباحة الأصلية، وهذا أمر متيقن، فمن ادعى أن تلك الإباحة المنسوخة قد عادت وأن النسخ المتيقن قد بطل، فقد ادعى الباطل، ونفى ما لا علم له به، وأتى بما لا دليل عليه (١) .


(١) المحلى لابن حزم: ١٠/٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>