للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول وقد يعبر عن هذا الأصل الذي قررناه بالقاعدة الفقهية القائلة: ليس كل ما هو مشروع للفرد مشروعا للجماعة. وهي قاعدة فرعية مخرجة على القاعدة المعروفة الكبرى: تصرف الحاكم منوط بالمصلحة. أي بما أنه وكيل عن الأمة في رعاية مصالحها فقد وجب عليه أن يلتزم جانب الحيطة في الأمر فلا يغامر بمصالحها ولا ينزل عن السعي إلى تحقيق أعلى درجات الصلاح لها. هذا مع العلم بأن أفراد الأمة لو مارسوا بأنفسهم حقوقهم ومصالحهم جاز لكل منهم أن يغامر بمصالحه كما يحب.

مثال ذلك أن للفرد من الناس أن يقتدي في صلاته بفاسق إن شاء ذلك.. غير أن الحاكم لا يجوز له أن يعتمد على هذا الحكم، فينصب للناس إمامًا فاسقًا.

ومثاله أيضًا أن ولي المقتول يملك أن يعفو عن القصاص على الدية أو جزء منها.. غير أن الحاكم لا يملك مثل هذا الحق، ولا يستطيع أن يلزم ولي المقتول به (١) .

وحيثما يعطي الشارع الزوجين حق إيقاف النسل أو يمنعهما منه، طبق ما رأينا آنفًا، فإنما ذلك لمصلحة تتعلق بهما، ولأمر عائد إليهما، وقد يكون المجتمع شريكًا لهما في المصلحة في بعض الأحيان.

فتعميم الدولة حكم الإباحة أو الحظر، هدر لمصلحة الأفراد، وتجاوز لواجب الحيطة في رعاية أمر العامة.

ولو أن هؤلاء الذين يظلون يفتون للحاكم بالدعوة إلي تحديد النسل، تنبهوا إلي هذه القاعدة التي ما ينبغي أن تخفى على باحث بل طالب علم – لعلموا أنهم مبطلون فيما يفتون به، وأنهم إنما يستلبون بذلك حقًا أعطاه الشارع للأفراد أصحاب العلاقة، ليملكوه لمن لا حق لهم في امتلاكه أو التصرف به.

وأخيرًا فإننا نلاحظ أن خلاصة ما ذكرناه من أحكام هذه المسألة وما لم نذكره مما يتعلق بحالات الإجهاض وأحكامه – إنما هي في مجموعها رعاية لحقوق ثلاثة تعود إلي ثلاثة أطراف، وهي حق الأبوين، وحق المجتمع، وحق الجنين.

فمن رعاية هذه الحقوق الثلاثة والتنسيق فيما بينها، تتكامل أحكام تحديد النسل وقاية (وهو ما فرغنا من بيانه) وعلاجًا (وهو ما لم نذكره في هذا المقام) (٢) .


(١) انظر الأشباه والنظائر للسيوطي: ص ١٠٩.
(٢) قلنا عند تحرير محل هذا البحث: إن موضوع الإجهاض وأحكامه مفصول في مصطلح الباحثين اليوم عن موضوع تحديد أو تنظيم النسل، ولذا لم نشأ أن نفتح ملف البحث في هذا المقام.

<<  <  ج: ص:  >  >>