دأب طائفة من الباحثين السطحيين علي إهمال الحكم الشرعي وعدم الوقوف عنده بأي تقدير، كلما كان الحكم متعلقًا بقضية اجتماعية سجل علماء الاجتماع في حقها حكمًا مخالفًا، ونظرة مغايرة لنظر الشرع ومن أبرز مظاهر السذاجة عند هذه الطائفة من الناس، أنهم ينعتون حديث علماء الاجتماع بالقرار العلمي، ويصفون حكم الشريعة الإسلامية بالنظرة الدينية.
ولسنا الآن بصدد تحليل هذه الظاهرة الفكرية المتخلفة التي تبعث علي الإشفاق، ولكني أشعر نظرًا لوجود هذه الطائفة فعلًا أن ثغرة ما قد تبقى في تضاعيف هذا البحث إن لم أتبع بيان الحكم الفقهي بما يؤيده من تهافت الكلام الذي يردده من ينعتون أنفسهم بعلماء الاقتصاد أو الاجتماع أو العلماء الديموغرافيين، بدءًا من مالتوس إلي كل من يهيم وراء كلامه في عصرنا هذا.
ومعلوم أنهم جميعًا يرفعون – في بلادنا العربية والإسلامية – شعار الدعوة إلى تحديد النسل أو تنظيمه.. والكلمتان توأمان في المدلول وإن اختلفتا في المظهر والنعومة.
بإمكاننا أن نكثف الأدلة العلمية المختلفة التي كشفت عن زيف افتراضات مالتوس وأشياعه في بيان النقاط التالية:
أولًا: إذا فرضنا أن المستند الذي أقام عليه مالتوس تصوراته، مستند علمي صحيح، يجب إذن أن يكون حقيقة راسخة تهيمن على علاقة الإنسان بوسائل الرزق والإنتاج من حيث الكم، علي طول الحياة الإنسانية فوق هذه الأرض. ذلك لأن الإنسان ذاته في كل عصر، وأسباب الرزق في محدوديتها أو عدم محدوديتها هي أسباب الرزق ذاتها في كل مكان وزمان.
فأين هو مصداق تصوره الذي بنى عليه اقتراحاته، على مساحة التاريخ الإنساني كله طولًا وعرضًا؟