لقد ظل الناس يتزاوجون فيتناسلون ويتكاثرون خلال قرون متطاولة مرت، وكانت أرزاق الأرض والسماء كما هي الآن، إن لم تكن أقل غنى منها اليوم فإنها لم تكن أكثر. ومع ذلك فإن شيئًا مما دار في خلد مالتوس لم يقع في أي مرحلة من مراحل ذلك التاريخ الطويل: لم تتناقص كمية الأرزاق أمام زيادة السكان، ولم يقع أي جيل في كمين المهلكة التي ينذر بها المالتوسيون اليوم (١) .
وطبيعي أن أنظمة المعيشة ومقوماتها ليست خاصة بإنسان هذا العصر وحده، بل هي لا تسمى أنظمة كونية ومقومات أساسية إلا إذا كانت مهيمنة علي حياة الأسرة الإنسانية كلها منذ فجر التاريخ.
قد يناقش بعض السطحيين هذا الكلام بأن من الثابت أن تزايد السكان في هذا العصر يسير بسرعة أكثر مما كان الحال عليه في الماضي، فنسبة تزايد السكان في العالم اليوم ما بين ٤.٣ % (إحصائيات هيئة الأمم المتحدة) وهي تكشف عن مدى التفاوت في سرعة التكاثر بين هذا العصر والعصور الخالية.
والجواب أن ملاحظة هذه النسبة في الزيادة يجب أن تقترن بها ملاحظة التفاوت الكبير في الطاقة الإنتاجية وثمراتها، ما بين عصرنا هذا وتلك العصور الغابرة، فإذا أخذنا هذا بعين الاعتبار، أدركنا أنه ما من زيادة في تكاثر السكان إلا وتتبعها زيادة في الطاقة الإنتاجية وأسباب المعيشة، ذلك لأن التقدم العلمي الذي أصبح عاملًا في خفض نسبة الوفيات هو ذاته الذي غدا عاملًا في تطوير الطاقات الإنتاجية ومضاعفة ثمراتها، ولا يستثنى من هذا التلازم الواضح إلا حالة الركود الذي قد تجنح إليه جماعة من الناس، فالذنب عندئذ إنما هو ذنب الكسل والركود لا ذنب النسل المتكاثر.
(١) من الواضح أننا نعني مجاعة عامة يفترض أنها ظهرت أو ستظهر من جراء سوء التناسب الكمي بين الإنسان ومدخرات الأرض فلا شأن لنا إذن بالمجاعات التي قد تقع لعورض وأسباب خاصة.