ثانيًا: إن أرباب هذه الدعوة، أقاموا دعوتهم على خطيئة كبرى في تقدير معنى الرزق الذي يحتاج إليه الإنسان، فلقد تصوروا أن الحاجات الإنسانية محصورة في الخيرات الثابتة في الأرض والمنافع الكامنة في أحشائها، بقطع النظر عن أي تفاعل يتم بينها وبين الإنسان، وهي بدون شك (علي هذا المعنى) منافع محصورة، سرعان ما يربو عليها نمو السكان وتكاثر الأفراد.
ولكن الأمر في واقعه ليس كذلك.
ليست مقومات العيش لبني الإنسان متمثلة في هذه المدخرات الثابتة من زيت وفحم وحديد وغير ذلك، وإنما هي كل ما قد يتوالد من تزاوج هذه المدخرات، مع ما قد يبذله الإنسان من جهد ويحققه من تدبير، في سبيل الوصول بهذه المنافع الطبيعية إلى أقصى درجات الاستفادة المتنوعة منها.
ومعلوم أن الإنسان كلما اكتشف سبل نفع جديدة من بعض خيرات الأرض، تكون له من ذلك رأس مال جديد لتحقيق مغانم جديدة في مجال النفع الإنساني الذي لا يكاد يقف عند حد.. ويمتد أثر هذا التلاقح من النفع المتوالد بشكل زاوية منفرجة تتسع قدر اتساع الجهد الإنساني.
وهذا شيء معروف ومفروغ منه لدى سائر علماء الاقتصاد والديمغرافيا اليوم، ولا نحسب أن أحدًا من المثقفين، فضلًا عن أهل الاختصاص يمتري فيه.
يقول الأستاذ فيدروف أمين الأكاديمية السوفياتية للعلوم بصدد نقده لتصورات مالتوس: وإذا كانت موارد الطبيعة محدودة حقًا، وكانت الحاجات الإنسانية غير محدودة فما وجه الاعتراض إذا على تلك النظرية؟ وجه الاعتراض عندنا أن موضع الاهتمام ينبغي أن يركز علي حاجات المجتمع الإنساني الأساسية وعلى وسائل سدها، لا على موارد الطبيعة ذاتها، كالفحم والزيت والحديد وغيرها، وكذلك ينبغي أن لا نغفل عن قيمة الإنسان وسعيه وتدبيره (١) .
(١) من مقال نشرته مجلة ستردي ريفبو، وانظر كتاب المجتمع العربي ومقاييس السكان للدكتور عبد الكريم اليافي.