للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في موضع آخر من نهاية المحتاج، اختلف في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قبل لا يثبت لها حكم السقط والوأد، وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها، ويتجه أبو بكر بن أبي سعيد القرافي، إلى جواز الإسقاط في فترتي النطفة والعلقة، أي قبل التخلق في مرحلة المضغة، ونقل الشبراملسي عن الغزالي أيضًا ما حاصله: أن العزل ليس كالاستجهاض والوأد وأن مراتب الوجود، دفع نطفة الرجل في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشًا ثم قال الغزالي: ويبعد الحكم بعدم تحريمه، ثم عاد فتردد بقوله: قد يقال إن الإجهاض قبل نفخ الروح لا يقال إنه خلاف الأولى بل يحتمل التنزيه والتحريم ويقوي التحريم فيما قرب من زمن النفخ، ثم قال: نعم لو كانت النطفة من زنى فقد يتخيل الجواز فلو تركت حتى نفخ فيها فلا شك في التحريم (١)

ويبدو من مسلك الغزالي هنا كما يقول الأستاذ مدكور، " أنه باحث متحفظ يريد أن يطرق الاحتمالات التي يمكن الذهاب إليها، وأنه لا ينقل عن أئمة الفقه الشافعي على طريقته في الورع الصوفي والنظر الفلسفي، غير أنه استطاع أن يجزم على طريق النظر الفقهي بما أشرنا إلى أنه مجمع عليه , وهو أنه لا شك في تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، وإن كان لم يشر إلى حالة وجود الفرد اعتمادًا على القواعد الفقهية العامة، كما أنه جزم بحثًا فقهيًا لم يسنده إلى أحد بأن النطفة من الزنا إذا تركت حتى نفخ فيها فلا شك في التحريم، وكأنه يرى أن ذلك يلتحق بالوأد المحرم ومعنى يشترك فيه ابن الزنا وابن الفراش (٢)

وذكر الخطيب الشربيني، أن المرأة الحامل إذا دعتها الضرورة إلى شرب دواء فشربته ثم أجهضت فينبغي أن لا ضمان عليها في هذه الحالة، كما قال الزركشي بخلاف ما إذا صامت فأجهضت فإنه تضمن دية الجنين (٣) .

ومن هنا يظهر لي بأن الإجهاض لعذر لا إثم فيه على رأي الشافعية بناء على قول الزركشي هذا، وبهذا يتضح أن الشافعية لا يختلفون عن غيرهم ممن قدمنا كثيرًا في مسألة العزل وإن كانوا يقتربون في مسلكهم الفقهي وذكر الخلافات من مسلك الحنفية على ما أوردناه.


(١) انظر نهاية المحتاج ٤١٦/٨
(٢) انظر الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي ص٣٠٤.
(٣) انظر مغني المحتاج ١٠٣/٤ ونص العبارة كما يلي: " ولو دعتها ضرورة إلى شرب دواء فينبغي كما قال الزركشي أنها لا تضمن بسببه، وليس من الضرورة الصوم ولو في رمضان إذا خشيت منه الإجهاض، فإذا فعلته فأجهضت ضمنته كما قاله الماوردي ولا ترث منه لأنها قاتلة "

<<  <  ج: ص:  >  >>