للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصور لنا ابن قدامة مذهب الحنابلة فيقول: تجب في الجنين إذا سقط من الضربة ميتًا وكان من حرة مسلمة الدية، وقيمتها خمس من الإبل، ولا فرق بين أن يخرج جميع أجزاء الجنين من الضربة أو بعضه، ولو أن رجلا ضرب حاملًا أو ضرب من في جوفها حركة أو انتفاخ فسكن الحركة وأذهبها لم يضمن الجنين، معللًا ذلك بقوله: " لأن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت ولا يجب الضمان بالشك" (١) . فإن أسقطت المرأة من جراء الضربة ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه، لعدم التيقن من كونه جنينا، " وإن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدت أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ففيه وجهان: أحدهما لا شيء فيه، لأنه لم يتصور فلم يجب فيه كالعلقة، ولأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك. والثاني فيه غرة لأنه مبتدأ خلق آدمي، أشبه ما لو تصور وهذا يبطل بالنطفة والعلقة " (٢) .

ومن خلال ما قاله ابن قدامة هنا بعد إلزام الضارب بشيء فيما لو أسقط ما لم يتصور أو كان نطفة أو علقة، يظهر بأن الحنابلة لا يختلفون عن غيرهم من الفقهاء الآخرين، في القول: بجواز إسقاط الجنين ما دام في مراحل تكوينه الأولى من نطفة أو علقة، بخلاف ما لو تصور بمعنى بان خلقه، فلا يحل إسقاطه لاحتمال نفخ الروح فيه.

ويرى الظاهرية كما يصور مذهبهم ابن حزم بقوله: " صح أن من ضرب حاملًا فأسقطت جنينًا فإن كان قبل الأربعة أشهر، فلا كفارة في ذلك " وهذا العبارة لا تدل على وقوع الإثم فلا يكون حرامًا، وقد علل ذلك بقوله: " لأنه لم يقتل أحدًا فلا كفارة إذ هي إنما تكون في القتل الخطأ ولا يقتل إلا ذو روح". (٣)

وإن كان الإجهاض قد حدث بعد الأربعة أشهر فإنه يوجب مع الغرة الكفارة التي هي كفارة القتل الخطأ لأن الجنين بعد مضي أربعة أشهر يكون قد نفخت في الروح الإنسانية.


(١) انظر المغنى ٤٠٦/٨
(٢) انظر المغنى ٤٠٦/٨
(٣) انظر المحلى ٣٦/١١

<<  <  ج: ص:  >  >>