للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني:

أنه على فرض بقاء أحاديث الإباحة على أصلها بدون ناسخ لها فإن هذه الأحاديث لا تدل على ما ذهب إليه هؤلاء المنادون بتحديد النسل، وإنما تدل – في نهاية أمرها- على جواز محاولة منع الحمل لعارض من العوارض وظرف خاص من الظروف في حالات فردية: إما أن تكون الموطوءة أَمَة ويكره أن يكون ولده من أَمَة، وإما أن تتوالى الولادات فيحتاج إلى تنظيم وفترة استراحة، وإما أن يكون هناك مبرر ومسوغ شرعي يجيز ذلك ويبيحه.

والشرع الحنيف لا يمنع من جواز ذلك في مثل هذه الحالات فمنع الحمل على مستوى الأفراد جائز في إحدى حالتين.

الأولى: أن يكون على الزوجة ضرر في الحمل والولادة ويخشى عليها من ذلك، فصحتها وبقاؤها مقدمان على حصول الولد بناء على القاعدة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وقاعدة: " إذا وجد مفسدتان ارتكب أخفهما ".

الثانية: إن توالى الحمل بلا فترة راحة للأم فلا بأس في تنظيم الحمل بأن يجعل بين حمل وحمل آخر فترة راحة واستجمام، فهذا جائز لأن هذا لا يعتبر تحديدا للنسل ولا منعا للحمل، وإنما يعتبر تنظيما له وترتيبا.

الشبهة الثانية:

قال دعاة تحديد النسل: إن مساحة الأرض محدودة والصالح منها للسكنى والاستثمار محدود، وإن وسائل إنتاج الأرزاق محدودة أيضا، أما تناسل الناس فهو غير محدود بل زيادته مستمرة وكلما كثر الناس تضاعفت الزيادة، فإذا استمرت الزيادة في السكان مع محدودية الأرزاق والأمكنة حصلت الضائقة والمجاعات وأصيب الناس بهبوط مستواهم الصحي والعلمي، وانتهى بهم الأمر إلى عيشة البؤس والشقاء.

والجواب عن هذا من وجهين:

الوجه الأول: إن الذي برأ النسمة وخلق الخلق وأوجد الأشياء هو الذي يقول في محكم كتابه العزيز: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (١) ويقول تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٢) .


(١) هود [٦]
(٢) العنكبوت [٦٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>