للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ماذا بعد الزوجة الصالحة والزوج الصالح غير الأبناء الصالحين؟ نعم إن الإسلام يكره تقليل النسل ويكره الامتناع عن الزواج وعن الإنجاب ... ولكن أي نسل هذا الذي يكره قلته ويحب الكثرة منه؟ إنه النسل الصالح الذي تزداد الأمة بازدياده مكانة ورجحانًا، وليس النسل الذي تصبح به الأمة غثاء كثغاء السيل، عن ثوبان مولى رسول الله قال: " توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ". – فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: " بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ". فقال قائل: يا رسول الله! . وما الوهن؟ قال: " حب الدنيا وكراهية الموت " (١) .

فهل يبقى بعد هذا شك أن المفهوم الصحيح للأمة الإسلامية ليس هو العدد الكثير الوهن حتى صار في الكثرة والتفاهة أشبه بالغثاء؟ إنما مفهوم الأمة الإسلامية مراد منه الكيف أولًا وبالذات وهذا الكيف يأخذ في الاعتبار – حتما وبالأساس – ما ينشأ عليه الفرد من إيمان قوي وتربية فاضلة وسلوك حضاري قويم.

هذه الأمة الإسلامية بجوهرها وبعرضها بحيث لا يعد من اختل إيمانه واعتلت تربيته وفسد سلوكه في عداد أفراد الأمة الإسلامية إلا على ضرب من التجوز، أو باعتبار التقسيم الجغرافي للكرة الأرضية.

وهذه حقيقة تكاد تصبح بديهية لا ينكرها عالم، ولا يقول بخلافها إلا من قصرت مداركه عن التصور السليم لمفهوم الأمة الإسلامية كأمة متميزة لها حضارة إنسانية فريدة ولها شرعة ومنهاج من الله رب العالمين.

وسيرًا في ضوء هذا المقصد التشريعي الواضح أفتى بعض المتأخرين من علماء الحنفية وغيرهم أنه إذا خيف على الولد السوء لفساد الزمان فالأولى الإمساك عن الإنجاب، ويرى البعض أن الأولوية تكون في الإمساك عن الزواج من أصله إذا أمكن إعفاف النفس بالصوم مثلًا.


(١) أخرجه الإمام أحمد بلفظ قريب من هذه انظر: ٢٧٨/٥ وهذا اللفظ لأبي داود انظر: ملاحم (٥) عدد ٤٢٩٧، قال في التعليق عليه في مشكاة المصابيح: إنه حديث صحيح، انظر: الحديث عدد ٥٣٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>