للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عجيب ما جاء عن علماء المالكية ما قاله القاضى أبو الوليد الباجي تعقيبا على إمامه وتغليبا لجانب الإنسانية في الزوجة المملوكة إذ قال: "وعندي أن للأمة فيه حقا قد ثبت بعقد النكاح، فلا يجوز له أن يعزل إلا بإذنها لأنه وطء زوجته (يريد وليس وطء مملوكته) فللزوجة حق فيه والله أعلم" (١) "وهذا الرأي هو الذي مال إليه القاضي أبو بكر بن العربي حيث قال: "اتفقوا على أن لا عزل عن الأمة المتزوجة إلا بإذن مولاها وهذا ضعيف فإن الوطء حق الزوجين" (٢) وعلى هذا الرأي درج القاضي عياض حين حكى رأى بعض شيوخه فقال: "ورأي بعض شيوخنا إذنها أيضا لحق الزوجية" (٣) .

واعتبر الزرقاني أن ذلك موافق لمذهبي أبي حنيفة وأحمد كما حكى أن مذهب الشافعية القول بالكراهة مطلقا في كل حال في كل امرأة وإن رضيت؛ لأنه طريق إلى قطع النسل.

خلاصة المذهب المالكي:

جاء ذلك فيما لخصه الزرقاني حين قال:

"ولا يحرم (العزل) في مملوكته ولا زوجته الأمة رضيت أم لا؛ لأن عليه ضرارا في أمته بصيرورتها أم ولد، وفي زوجته الرقيقة لمصير ولدها رقيقا.

أما الحرة فإن أذنت لم يحرم، وإلا فوجهان، أصحهما: لا يحرم" (٤) .

عند الشافعية:

جاء في كلام الحافظ ابن حجر وردده أن المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا (٥) ، وهذا مغاير لما صرح به صاحب المهذب إذ قال: "وإن كانت حرة فإن كان بإذنها جاز (يريد العزل) ؛ لأن الحق لهما (يريد: حق الاستمتاع والوطء) وإن لم تأذن ففيه وجهان: أحدهما لا يحرم؛ لأن حقها في الاستمتاع دون الإنزال، والثاني: يحرم؛ لأنه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه (٦)

فأفهم كلامه أن الحق المشترك بين الزوج وزوجته الحرة إنما هو الاستمتاع دون الإنزال وهذا الفصل بين الاستمتاع والإنزال مخالف لما تقدم في المذهب المالكي عن ابن عبد البر أنه قال: " ... ليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل". وقد حكى القاضي أبو بكر بن العربي عن الشافعي وأبي حنيفة أنهما يقولان: "لا حق لها إلا في وطئة واحدة يستقر بها المهر" واستنكر القول بمنع العزل على من يقول بأن المرأة لا حق لها في الوطء، وقال: "والعجب أن يكون لها حق في العزل عند العلماء، ولا حق لها في أصل الوطء " (٧) .


(١) المنتقي: ١٤٣/٤ (مطبعة السعادة – ط – أولى القاهرة ١٣٣٢ هـ) .
(٢) عارضة الأحوذي: ٧٧/٥ (ط- دار الكتاب العربي – بيروت) .
(٣) الزرقاني، شرح الموطأ: ٢٢٩/٣.
(٤) الزرقاني، شرح الموطأ: ٢٢٩/٣.
(٥) فتح الباري: ٣٠٨/٩.
(٦) الشيرازي: المهذب: ٦٧/٢ (دار المعرفة – ط – ثانية بيروت: /١٩٥٩-١٣٧٩) .
(٧) انظر عارضة الأحوذي ٧٧/٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>