للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعقب الحافظ كلامه فقال: "ما نقله عن الشافعي غريب والمعروف عند أصحابه أنه لا حق لها أصلا (١) ".

قلت: الإشكال الذي عرضه ابن العربي قائم، لأن من لا حق لها في أصل الوطء لا موجب لأخذ رأيها في العزل إلا إذا كان الإنزال شيئا مغايرا للوطء كما أوهمه صاحب المهذب فيما أسلفنا نقله.

وسواء قيل بأن الحرة لا حق لها في الجماع أصلا أو قيل: لها حق في الاستمتاع دون الإنزال، أو قيل بأن الحق لهما، فإن أقوال الشافعية تعددت في بيان الحكم.

فقد حكى الدمشقي في رحمة الأمة: (أن العزل عن الحرة ولو بغير إذنها جائز على المرجح من مذهب الشافعي، لكن نهى عنه، فالأولى تركه) (٢) .

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للحرة فإن الجواز يكون أولى بالنسبة لغيرها، ودون توقف على إذن السيد في الأمة.

والقول بالجواز هو الذي حكاه الحافظ عن الغزالي وغيره، ثم قال: "وهو المصحح عند المتأخرين" (٣)

وقد صرح الغزالي في الإحياء بإباحة العزل وصحح ذلك في المذهب إذ قال: "والصحيح عندنا أن ذلك مباح " (٤) . ثم ينفي أن يكون حكم العزل الكراهة بمعنى التحريم أو التنزيه، ولا ينفي القول بالكراهة بمعنى ترك فضيلة وترك الأولى كما يقال: يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة يعني أنه ترك فعل الأفضل.

وعلل الغزالي نفي كراهة التحريم والتنزيه "بأن إثبات النهي إنما يكون بنص أو قياس على منصوص، ولا نص ولا أصل يقاس عليه، بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصلا أو ترك الجماع بعد النكاح، أو ترك الإنزال بعد الإيلاج، فكل ذلك ترك للأفضل، وليس بارتكاب نهي" (٥) .


(١) فتح الباري ٣٠٩/٩.
(٢) انظر رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: ٢٢٤ (دار الكتب العلمية – ط – أولى – بيروت ١٤٠٧/١٩٨٧) .
(٣) انظر: فتح الباري: ٣٠٩/٩.
(٤) انظر إحياء علوم الدين: ٥١/٢ – (دار المعرفة – بيروت) .
(٥) انظر إحياء علوم الدين: ٥١/٢ – (دار المعرفة – بيروت) .

<<  <  ج: ص:  >  >>