للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هؤلاء العلماء الإمام الغزالي وهو وإن بدا موقفه غير متشدد في أمر العزل إذ جوزه ولو كان الباعث عليه استبقاء جمال المرأة أو الخوف من خطر الطلق والولادة، فإنه يعتبر الإجهاض جناية على موجود حاصل إذ قال: "وليس هذا - أي العزل - كالإجهاض والوأد؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل وله أيضا مراتب، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت علقة ومضغة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا" (١) .

ومن هؤلاء العلماء القائلين بالحرمة والمنع كل الذين قالوا بحرمة العزل إذ الحرمة عندهم هنا بالأولوية.

ومن العلماء من اعتبر حياة الجنين في الطور الأول (طور الإعداد والنمو وقبل نفخ الروح) حياة مادة ليست هي حياة الإنسان التي كرمها الله لاقترانها بالروح، فلا جناية إلا مع إزهاق الروح، وحيث لا روح في المادة الأولى التي منها الجنين فلا جناية وإذا لم يكن الحكم عند هؤلاء هو الحرمة ... فهل الحكم هو الكراهة أو الإباحة؟ خلاف بينهم في ذلك، جاء في الذخيرة "لو أرادت الإلقاء قبل مضي زمن نفخ الروح، هل يباح لها ذلك أم لا؟ " اختلفوا فيه (٢) .

ولقد ثبت علميا أن للإجهاض في مدة الحمل الأولي انعكاسات ومخلفات تتفاوت مضرتها وخطورتها بتقدم زمن الحمل وباختلاف أبدان الأمهات، وتشتد الخطورة إذا تكرر الإجهاض مع قصر الفواصل، وفي هذا دليل على أن الإجهاض فيه معاكسة للطبيعة ومناقضة لسيرها، وما كان كذلك لا يترجح القول فيه بالإباحة، بل الذي يقتضيه النظر الوجيه أن يدور الحكم بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه بحسب الأوضاع والحالات والأشخاص، أما القول بالإباحة فهو خلاف الراجح عند العلماء من الفقهاء والأطباء.

هذا في فترة الحمل الأولى، أما الفترة الثانية التي تعقب نفخ الروح فقد أسلفنا ذكر الاتفاق بين الفقهاء على حرمة إسقاط الحمل فيها بغير ضرورة وهذا هو الذي يراه الأطباء؛ لأنهم يقررون أن الأمر لا يخلو من خطورة ومجازفة بحياة الأم.


(١) الإحياء: ٥١/٢.
(٢) عن شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة: ٢١٦ (دار القلم – القاهرة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>