للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الإعقام

الإعقام من قولهم: أعقم الله رحمها فعقمت (على ما لم يسم فاعله) إذا لم تقبل الولد (١) والإعقام في المرأة يكون بإفساد رحمها حتى يصير رافضا للإخصاب أو بإفساد مائها أو بإفسادهما معا، وهو عبارة عن شل عضو أو إفساد جهاز في الجسم مما خلق الله، ولم تأت الشرائع بذلك أصلا ولم تبحه ولا أباحه العلم؛ لأنه ضرب من إفساد ما خلق الله تعالى والله لا يحب الفساد.

ويكون الإعقام في الرجل، فيقال: رجل عقيم، بمعنى لا يولد له، كما يقال امرأة عقيم؛ لأنه من الأوصاف التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ويكون إعقام الرجل قديما بالخصاء، وصار اليوم بما يعرف بربط القنوات أو بتناول بعض العقاقير المفسدة لمائه إن صح ما بلغنا من بعض طلاب العلم في الطب.

وقد ورد في شأن الخصاء الحديث المتفق عليه، وهو عند البخاري من طريق قتيبة عن جرير عن إسماعيل عن قيس قال: قال عبد الله - يعني ابن مسعود -: "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لنا شيء - وللبخاري من طريق: محمد بن المثني عن يحيى في باب تزويج المعسر: وليس لنا نساء - فقلنا: ألا تستخصي؟ فنهانا عن ذلك" (٢) .

قال الحافظ: "هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم" ثم بين سبب الحرمة فأفاد أن السبب يرجع إلى عدة مفاسد منها قطع النسل، ومنها تعذيب النفس والتشويه من إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك، ومنها أن فيه تغيير خلق الله وكفر النعمة.

وقد منعت الشريعة قطع نسل الحيوان، واستثنوا من ذلك الخصاء من أجل تطييب اللحم في الأنعام ما دامت في حال الصغر، حتى لا يشتد تعذيبها عند الكبر، فكيف يكون الحال في الإنسان؟ (٣)

وتعضيدا لحديث البخاري نقل الحافظ ما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العزوبة فقال: ألا أختصي؟ قال: ((ليس منا من خصى أو اختصى)) .

هذا هو حكم الإعقام الذي به يقطع النسل بلا رجعة، مثل الإخصاء عند الرجال، أو استئصال الرحم عند المرأة لغير علاج، وإنما يقصد قطع النسل عن المرأة المعافاة".

أما إذا اتخذت وسائل الإعقام بقصد التصبير وإرجاء الحمل لأجل محدد بحيث يمكن إزالتها بزوال سببها والعودة إلى الإنجاب، فإن ذلك يأخذ حكم العزل، لأنه به أشبه ولأنه لا إفساد فيه ولا تغيير لخلق الله.


(١) قاله مختار الصحاح.
(٢) انظر: البخاري: كتاب (٧٦) النكاح، باب (٦) تزويج المعسر وباب (٨) ما يكره من التبتل والخصاء.
(٣) فتح الباري: ١١٨/٩-١١٩ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>