الرابع: أن الولد حق مشترك بين الوالدين وبين الأمة مع التغليب المطلق لحق الأمة، وهو مذهب القائلين بحرمة العزل وحرمة كل ما يمنع الولد، فالأبوان بمثابة الوكيلين والوكيل معزول – كما يقول الفقهاء – عن غير المصلحة من هؤلاء أبو حاتم محمد بن حبان البستي الشافعي صاحب الصحيح والإمام أبو محمد بن حزم الأندلسي الظاهري.
وإذا قلنا بتحديد حق الأبوين وتغليب حق الأمة فهل للدولة أن تتكلم باسم الأمة لتقرر تحديد النسل أو الزيادة فيه؟
الجواب: لا يكون بنعم أو لا؛ لأن المسألة تتعلق بشرعية القرار الذي تتخذه الدولة لا من الناحية الشكلية باعتبار أنها دولة لها (الحق وحدها في أخذ القرار وحماية المصالح) ولكن من ناحية جوهر القرار وتمشيه مع روح الشريعة وعقيدة المسلم وإيمانه بربه. هذا الإيمان الذي تنكرت له العلمانية ولم يتنكر له العلم الصحيح.
ولكي يكون قرار الدولة الإسلامية في هذا الصدد مسموعا ومطبقا من المسلمين يتعين اعتبار ما يأتي:
١- أن لا يكون علمانيا فيه إلزام لكل الأسر سواء بتقليل النسل أو بتنظيم الإنجاب أو المباعدة بين الولادات، أو كان المراد منه تكثير النسل بالترغيب في الزواج والمكافأة على الإنجاب، بل يكون قرارا يدعو الناس والأسر إلي الإتيان من ذلك ما في وسعهم وعلى حسب طاقتهم، وظروف عيشهم، والوسائل المتاحة لهم.
٢- أن يكون الباعث على القرار الالتزام بالمصالح الشرعية التي فيها مصلحة الأمة وحثها على السعي إلى غد أفضل وإلى تحقيق المزيد من المناعة والقوة، وليس الباعث ما يشير به الخبراء الأجانب ممن قامت تقديراتهم وأبحاثهم على معطيات مادية اقتصادية بحتة كأن المادة هي كل شيء، وكأن الاقتصاد هو الذي يرزق الذرية وهو الذي يقدر موتهم أو حياتهم وقد علمتنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أن المادة والمال قد يكون نقصهم عائقا أمام تحقيق الغايات، لكن لا يثنينا ذلك عن المضي قدما قصد تسخير المادة وتحصيل المال وتذليل الصعوبات، فلا نحدد النسل بدعوى نقص الموارد مع الإبقاء على استهلاك متهور غير رشيد، بل نرشد الاستهلاك ونتعلم حسن القناعة ونبقي على التناسل والنمو العادي للأمة، روى أحمد في مسنده من طريق هاشم بن القاسم وحسن بن موسى عن زهير عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: