للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكرة تحديد النسل الجماعي ونشأتها

إذا كانت كثرة النسل في العصور الأولى تعتبر عنوانا للعزة والقوة في القبيلة وسبيلا إلى الصمود أمام كل اعتداء فإن الكثافة السكانية أصبحت - مع مرور العصور، وتغير المفاهيم والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية - تعتبر في بعض الأحيان من المحاذير التي يجب أن ينظر إليها من قريب حتى لا تنقلب هذه الكثافة كارثة تدعو الحكومة إلى درئها قبل وقوعها.

وإذا كان موضوع الانفجار السكاني بهذا الاعتبار فلا غرابة أن يجد اهتماما كبيرا من المفكرين والمشرعين قديما وحديثا، وأن تختلف أنظارهم في الحكم عليه.

ولم تَعْدُ فكرةُ تحديد النسل في القديم حدودَ الأسرةِ، وبقيت تطبق بصفة فردية حسب الضرورات الخاصة التي دعت إليها، وإن اختلف مفهوم الضرورة من مدينة إلى أخرى ومن جيل إلى آخر.

وأول بروز لفكرة تحديد النسل الجماعي كان في أوروبا ثم في أمريكا في أواخر القرن الثامن عشر، عندما تبنى هذه الفكرة عدد من رجال الاقتصاد في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وحذروا المجتمعات من بروز مشكل اقتصادى خطير وهو عدم التوازن بين نمو عدد السكان في العالم الذي صار يزداد بنسبة عالية، بل أصبح عدده يتضاعف في مدة قصيرة، وبين ضعف نمو وسائل العيش الذي لا يتم بنفس النسبة.

وهذا من شأنه أن يحدث خللا كبيرا في التوازن، ويبشر بمجيء يوم يكون فيه عدد السكان أضعاف أضعاف موارد الرزق، وبذلك تحل بالمجتمعات أزمات ومجاعات قد يصعب التخلص منها.

ولقيت حركة تحديد النسل الجماعي في أول أمرها صعوبات واعترضتها عراقيل متعددة منعتها من البروز والانتشار حقبة من الزمن.

ثم لقيت في النهاية إقبالا من المجتمعات الأوربية المصنعة، فانتشرت كما انتشرت وسائل الوقاية من الحمل في جميع أنحاء أوروبا، ودلت الإحصائيات في أوائل القرن العشرين على أن التخطيط الشعبي الذي انتهجته بعض الدول في التقليل من الإنجاب قد حقق نتائج محسوسة في تقليل الولادية.

واستمر انتشار حركة تحديد النسل في جميع أنحاء أوروبا بل في جميع بلاد العالم وما زالت تنتشر بخطى سريعة في مدة وجيزة لاحتواء العالم كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>