للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى رواية أخرى، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها. رواه مسلم، مع أن جماعة من الصحابة وغيرهم قد صح عنهم النهي عن العزل، يقول الإمام الترمذي في سننه: وقد كره العزل قوم من أهل العلم من الصحابة وغيرهم، وروى الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنه كان لا يعزل وكان يكره العزل، والذى يمكن أن نستخلصه من الروايات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم تكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حركة عامة قائمة لدعوة الناس إلى تحديد النسل، ولا جاء أحد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسأله عما إن كان له القيام بحركة مثل هذه، وكل ما في الأمر أن نفرا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه على أحيان مختلفة، يعرضون عليه ظروفهم الشخصية المخصوصة، ويسألون عما إذا كان من المباح لهم كمسلمين في مثل هذه الظروف أن يعزلوا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم في رده على سؤال بعض هؤلاء قد نهى عن العزل وفى رده على سؤال بعضهم عد العزل فعلا عبثا لا طائل تحته. كما أنه قد سكت في رده على سؤال بعضهم، إذ قال ما لا يمكن الاستدلال به على إباحة العزل، ونحن إذا لم نأخذ بالاعتبار إلا أقواله التي تدل على إباحة العزل فإنه يمكن الاستدلال بها على إباحة العزل للأفراد بصفتهم الفردية في ظروفهم الشخصية المخصوصة. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يستدل بها على إباحة القيام بحركة شعبية عامة لمنع الحمل، أما الحركة الاجتماعية لتحديد النسل فهي متصادمة مع الإسلام في صميمه لأنها تؤدي إلى تناقض المجتمع وانخفاض أصحاب الكفاءات العلمية فيه، وإن استعمال الوسائل التي تؤدي إلى منع الحمل، قد تؤدي إلى إشاعة الفاحشة وانتشار الأمراض والفساد في الأرض، كما يولد استخدام هذه الوسائل الأنانية والانحلال لأنه يطلق العنان لشهوات المراهقين الذين يتحولون إلى حيوانات مفترسة، تتصارع مع بعضها لإشباع الغريزة الجنسية، ولا يمكن للدين الإسلامي الذي يرى في الزنا أبشع جريمة خلقية يستحق مقترفها أقصى العقوبات، أن يسكت عن معارضة حركة لابد أن تعرض المجتمع كله لخطر انتشار هذه الجريمة، كما أن الإسلام لن يسكت على هذه الدعوة، التي تقوم على الأثرة وحب الذات، وتسبب مزيدا من النقص في أعداد المسلمين المحاطين بالأعداء المتربصين.

<<  <  ج: ص:  >  >>