للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا نحب أن نقف قليلا عند قول الأستاذ الفاسي: إن استعمال الأدوية المانعة للنسل أو تقليله.. بصفة جماعية لا يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية - فنلفت الانتباه والتأمل لقوله (بصفة جماعية) !!

فهذا هو الصواب في تحريم تحديد النسل أو تقليله: أن يكون بصفة جماعية تفضي إلى تناقص الأمة عددًا، وضعفها قوةً، وقلة أبنائها ورجالها الذين يعملون لتقدمها وتطورها علميا واقتصاديًا، ويدافعون عن مصالحها ومنافعها سلمًا، وعن حماها وبيضتها (١) . إذا أريدت بحرب أو عدوان.

ونتأمل هنا زجر الله عز وجل لخلقه من وأد بناتهم كما كانوا يفعلون في الجاهلية مخافة الفقر حاضرًا ومستقبلًا، مع وعده تبارك وتعالى بأنه الكفيل برزقهم وبرزق أولادهم: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (٢) . {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (٣) .

وللعلامة الأستاذ أبي الأعلى المودودي رأى في الدعوة إلى تحديد النسل يقول سماحته:

(إن هؤلاء المتعاقلين - يقصد دعاة تحديد النسل - لا يعرفون أن الله عز وجل قد خلق كل شيء في السماوات والأرض بمقدار كما قال عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وأنه لا يصدر شيئًا من خزائنه إلا بقدر معلوم: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} فمهما يكن من ظن هؤلاء القوم بالله وبأنفسهم، فإن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن الله الذي خلق هذا العالم وأبدع نظامه المحكم ليس بجاهل، ولا بطالب مبتدئ لفن الخلق والتنشئة، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} - كما أن خلق السكان في العالم أو في بلد من بلاده عز وجل، ثم الزيادة والنقصان في عددهم وتهيئة الأسباب لبقائهم - مما يتعلق بحكمته ونظامه وحده: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} - {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} - {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} .


(١) بيضة كل شيء: حوزته وبيضة القوم: ساحتهم
(٢) سورة الأنعام الآية ١٥١
(٣) سورة الإسراء الآية ٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>