ويرى الأستاذ المودودي: أن انتشار هذه الحركة في أوروبا وأمريكا كان لأسباب غير الذي دعا من أجله مالتوس وإنما جاء نجاحها نتيجة للنهضة الصناعية الجديدة والنظام الرأسمالي والحضارة المادية السائدة اليوم في الغرب، فقد هجر سكان القرى والأرياف مزارعهم إلى المدن للعمل في مصانعها ومعاملها، واتسعت حاجات الحياة، وغلت تكاليفها غلاء فاحشا ضاق به أصحاب الدخل المحدود، حتى عجز الآباء عن تربية أولادهم، والأزواج عن رعاية زوجاتهم والشباب عن كفالة آبائهم وأمهاتهم الشيوخ، واضطرت النساء أن يكفلن أنفسهن بعملهن فخرجن من بيوتهن لكسب المعيشة.
بذلك بطلت القسمة الفطرية القديمة في باب الاقتصاد التي كان بموجبها: أن يكدح الرجال لكسب المعيشة، وأن يتولى النساء تربية الأولاد، وإدارة شؤون المنزل الداخلية، وإذا كان على المرأة أن تعمل كالرجل لتؤدي نصيبها من نفقات الأسرة المشتركة فأنى لها أن تستعد لإنجاب الأولاد، وأن تقوم برعايتهم كما ينبغي!
وإن نعجب من نجاح فكرة تحديد النسل لسبب غير السبب الذي من أجله دعا الدعاة إلى تحقيقها وهو تقليل عدد السكان ليتفق مع مقدار الموارد والوسائل الاقتصادية الممكنة.
.. فعجب آخر: أن يكون رواج هذه الفكرة بين الأغنياء والطبقات المتوسطة.. التي لا تشكو فقرًا ولا نقصًا في مواردها الاقتصادية، فالعمال الفنيون من ذوي الرواتب الضخمة، وأرباب التجارة والصناعة، والمثقفون ثقافة عليا، ورجال الرفاهية الاقتصادية من الطبقة الوسطى والأغنياء والمترفون من الطبقة العليا - هم المؤيدون لهذه الحركة والعاملون على تحديد نسلهم كما جاء في تقرير اللجنة الملكية لإحصاء السكان في بريطانيا، وظلت طبقة العمال والفلاحين يتزايد عدد أفرادها في مقابل انخفاض عدد الأغنياء والمثقفين.
وقد أكد ذلك الفيلسوف البريطاني برترا ثدراسل - في كتابه (مبادئ الإنشاء الاجتماعي) فقال: إن الطبقات التي يقل أفرادها هم المثقفون والأغنياء والأذكياء.. بينما يتزايد عدد أفراد طبقات العمال والأغبياء والجبناء، وحذر راسل من انحطاط مستوى الذكاء والقوة والنشاط والثقافة وطالب بتغيير النظام الاقتصادي والمستوى الأخلاقي.