للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليقات على هذه الأحاديث

وبما أنه ليس في هذه الأحاديث ولا في غيرها تصريح بحرمة العزل، وإن كان ما جاء فيها يحتمل التأويل، وبما أن العزل هو وحده المسلك الذي كان يلجأ إليه الصحابة لمنع الحمل في عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم علق الإمام الغزالي على هذه الأحاديث بالتأويل فقال في قوله صلى الله عليه وسلم: من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا، أي ليس على سنتنا وطريقتنا فعل الأفضل، وقال في قوله صلى الله عليه وسلم: " ذلك الوأد الخفي ". جوابًا لأناس سألوه عن حكم العزل، كما رواه مسلم عن جذامة بنت وهب، قوله: " الوأد الخفي ". كقوله: " الشرك الخفي "، وذلك يوجب كراهة لا تحريما (١) .

هذا وقد نقل الشيخ مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء، والشوكاني في نيل الأوطار، عدة وجوه من أجوبة العلماء الذين سلكوا مسلك التأويل، لمعنى حديث جذامة بما لا يتعارض مع حديث جابر، كالقول بأن حديث جذامة لا يقصد منه سوى مجرد التنزيه، وكالقول بأن حديث جذامة ليس بصريح في المنع، إذ لا يلزم من تسمية العزل وأدا خفيًّا على طريق التشبيه، أن يكون ذلك حرامًا، وكالقول السابق آنفا بأن قوله صلى الله عليه وسلم: " إنه الوأد الخفي "، كقوله: " الرياء هو الشرك الخفي ". وإنما شبه بالوأد لأن فيه طريقًا إلى قطع الولادة، وكالقول بأن السبب الوحيد في تسمية العزل، وأدا خفيا في حديث جذامة، هو أن الرجل إنما يعزل هربًا من الحمل، فأجرى قصده بذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد اجتمع فيه القصد والفعل وأمره ظاهر بالمباشرة بينهما، والعزل يتعلق بالقصد فقط، فلذلك وصف في الحديث بكونه خفيا، وهذا الرأى هو الذي ذهب إليه ابن القيم، وحمل العراقي في شرح الترمذي حديث جذامة على العزل عن الحامل، لزوال المعنى الذي كان يحذره الزوج من حصول الحمل، ولكون العزل حينئذ يكون فيه تضييع للحمل، فقد يؤول إلى موته، وضعفه وهذا وأد خفي، وجزم الطحاوي بأن حديث جذامة منسوخ (٢) .


(١) إحياء علوم الدين الجزء الثانى ص ٥٤
(٢) الإسلام وتنظيم الأسرة ثبت كامل لأبحاث ومناقشات المؤتمر الإسلامي في الرباط ص ٦٠

<<  <  ج: ص:  >  >>