للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليقات على هذه الأحاديث

علق بعض من العلماء على هذا الحديث فقال: قوله: " إنكم لتفعلون ذلك ". ثلاث مرات إقرار لهم على ما فعلوه، وقال آخر: إن ظاهر: " أو إنكم لتفعلون ذلك " كما في رواية، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع على ذلك، وكونه كررها ثلاثًا يفيد الإنكار، ثم إن ابن حزم يطبق قاعدتين أصوليتين ليستدل على أن العزل غير جائز فنهي عنه، القاعدة الأولى: هي أن الأصل في الأشياء الإباحة، ويزعم أن الذين يرون العزل جائزًا ليس لهم دليل يستندون عليه إلا هذا والقاعدة الثانية: إذا كان الأصل في الأشياء الإباحة فحينئذ تأتي الحرمة بعدها، وبناء على ذلك إذا كان محرما فقد جاء التحريم لا شك متأخرًا عن الإباحة وينسخ الإباحة، وإن حديث جذامة بنت وهب يثبت تحريم العزل، وبذلك يعتبر متأخرًا وينسخ الأحاديث الأخرى التي وردت في الإباحة الأصلية، وزعم أنها غير صحيحة أيضًا عدا حديث جابر، وهو وإن كان صحيحًا عند ابن حزم فإنه لم يتكلم فيه بوجه وتركه من دون أن يعلق عليه بشيء (١) . وقال ابن سيرين: في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لا عليكم ألا تفعلوا إلخ قوله: ((لا عليكم ألا تفعلوا)) أقرب إلى النهي، وقال الحسن البصري: والله لكأن هذا زجر، وقد اعتبر هؤلاء (لا) ناهية ومدخولها محذوف، تقديره لا تعزلوا، وعليكم أن لا تفعلوا وأكد هذا النهي بقوله: وعليكم ألا تفعلوا.

هذا وقد رد الباجي في شرحه على الموطأ على قول الحسن البصري فقال: قوله سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال: ((لا عليكم ألا تفعلوا، فإنما هو القدر)) ، ليس معناه النهي كما فهمه الحسن البصري، وحكاه عن ابن عبد البر بل قال أكثر العلماء: إنه ليس نهيًا، بل معناه ليس عليكم إثم أو ضرر ألا تفعلوا كما نقل ذلك الشيخ مرتضى الزبيدي في شرحه على الإحياء، ثم عقب عليه بقوله: قال البيهقي: رواة الإباحة أكثر وأحفظ والله أعلم (٢) وذكر فضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي في كتابه (حركة تحديد النسل) أن الاحتجاج بهذه الأحاديث فاسد، فقال: والذين يدعون إلى حركة تحديد النسل من المسلمين لا يجدون في آيات القرآن كلمة واحدة يتأيدون بها، فهم لأجل هذا إنما يرجعون إلى كتب الحديث ويستدلون على صحة فكرتهم بروايات جاء في بعضها الإذن بالعزل.


(١) الإسلام وتنظيم الأسرة، أعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ ٢ ص ١٨١
(٢) الإسلام وتنظيم الأسرة، أعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ ٢ ص ٤٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>