للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجدير بالذكر أن بناء الدعوة إلى تحديد النسل على قضية التغذية وخوف المجاعة قد ظهر خطؤه مرارا. فالتقدم الاقتصادي في سائر أنحاء الدنيا حقيقة لا يمكن إخفاؤها، وهو شيء يناقض نظرية (مالتوس) ومن سار على نهجه من دعاة الخوف من النمو الديموغرافي وضائقة الغذاء بالنسبة للجنس البشري.

والذي ثبت في تاريخ المجتمع الغربي منذ شروعه في عملية تحديد النسل هو عكس ما يقوله هؤلاء، إن الزمن الذي شاعت فيه فكرة التحديد وبدأ تطبيقها على نطاق واسع في الأقطار الغربية أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العشرين، كان الفترة التي تقدم فيها الاقتصاد وازدهرت حركة الإنتاج، وأصبحوا يتخلصون من فائض إنتاج مواد التغذية بإغراقها في البحر وإحراقها بالنار مخافة هبوط أسعارها في الأسواق العالمية، وهكذا ثبت أيضا أن فكرة الخوف من زيادة السكان أمام ضعف الإنتاج الغذائئ والصناعي لا أساس لها، بل العكس هو الصحيح.

فالازدهار والنمو الاقتصادي الذي عرفه الغرب، وبعض الأقطار بصفة خاصة، مثل إنجلترا وفرنسا وأمريكا لم يتم إلا عن طريق النمو الديموغرافي لهذه الأقطار.

فبالرجوع إلى تاريخ بريطانيا مثلا نجد النمو السكاني بها هو الذي جعلها أثناء القرن التاسع عشر تصبح سيدة العالم، ولا تغيب الشمس عن أقطار نفوذها، ففي القرن الخامس عشر لم يكن سكانها يتجاوزون المليونين ثم قفز عددهم في نهاية القرن الثامن عشر إلى عشرة ملايين، وفي نهاية القرن التاسع عشر وأوائل العشرين إلى ٤٠ مليونا، وهم الآن نحو ٦٠ مليونا، ومع كثافة سكان الجزر البريطانية بهذا العدد، ومساحتها لا تتجاوز ٢٤٤.١٠٠ كلمترًا مربعًا، وذلك سر قوتها وامتداد نفوذها إلى سائر القارات وإلى أمريكا بالذات، وكندا واستراليا وأقطار شاسعة في آسيا أيضا.

أما أميريكا الشمالية فقد كان عدد سكانها في منتصف القرن الثامن عشر مليونًا واحدًا، وفي ظرف مائة سنة قفز عددهم إلى ٢٦ مليونًا، أما عدد سكان الولايات المتحدة - أمريكا - اليوم، فيزيد عن ٢٣٠ مليونًا، وذاك ما منحها قوة اقتصادية وعسكرية، ونفوذًا على العالم كله، مع ملاحظة أن السر ليس في كثرة العدد، بل فيه مع ارتفاع مستوى تكوينه علميًّا وفنيًّا، فالكم وحده لا يفيد ما لم يكن معه الكيف الرفيع.

فالمهم في الأمر هو التكوين العلمي والتكنولوجي الذي أصبحت به الدول الغربية اليوم، قوة لها حسابها في المجتمع الإنساني كله شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>