للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعد هذه الآيات هل يجوز الكلام بتحديد النسل أنه حرام أم حلال؟ بل زيادة على ذلك فالله عز وجل بَيَّنَ في محكم كتابه المقدس، كيفية تكوين الإنسان وخلقه، بطريقة دقيقة ورائعه، حيرت علماء العالم، ووحدانية الخالق سبحانه وتعالى تقتضي رعاية مصالح عباده، فهو ربهم وخالقهم إذ هو رب العالمين جميعا، إذ خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله. وجعله كامل الخلقة ذكرا أو أنثى كما يشاء، وجعل بقدرته هذا العالم المنتشر في أقطار المعمورة من ذلك الماء المهين، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (١) . وهذا الإنسان الذي خلقه الله وأمره بأن ينظر إلى حقيقة خلقه بأن قال عز وجل: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} (٢) .

ولقد جاء أيضًا في وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((سوداء ولود خير من حسناء عقيم)) وقوله أيضا صلى الله عليه وسلم: ((من ترك الزواج مخافة العيل فليس منا)) .

وكثيرا ما تعرض علماؤنا على اختلاف مسئولياتهم واختصاصاتهم من شرع وعلم اجتماع وطب واقتصاد لمسألة تحديد النسل.

فالإنسان مطالب بأن يتفكر وأن يتأمل حياتنا، ويعلم كمخلوق بأنه مطالب بعبادة الله الخالق، لأنه قادر على إعادته مرة أخرى بعد موته لمحاسبته على ما عمل في هذه الدنيا من خير وشر، فإن القادر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى، فلا يجوز إذًا قتل الأولاد خشية إملاق؛ لأن الله عز وجل قادر على أن يرزقنا جميعا. فقد نهانا عن ذلك عز وجل في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (٣) . وقال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٤) . رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (٥) . وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (٦) . وقد قال تعالى أيضًا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (٧) . وقوله أيضًا {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (٨) .

وقوله أيضًا {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} (٩) . وقال جل وعلا {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} (١٠) .

فإن الله تبارك وتعالى قد جعل رحلة خلق الإنسان آية لنا فتنقل خلقه من حال إلى حال، من نطفة بعد أن خلقه في بطن أمه خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث: ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشية، دليل واضح على أنه قادر على أن يرزقه إلى وفاته قبل انبعاثه مرة ثانية للحساب.


(١) سورة الفرقان الآية ٥٤
(٢) سورة الطارق الآية ٥، ٦، ٧، ٨
(٣) سورة الأنعام الآية ١٥١
(٤) سورة آل عمران الآية ٢٦، ٢٧
(٥) سورة النساء الآية ١
(٦) سورة لقمان الآية ١٠
(٧) سورة المؤمنون الآية ١٢
(٨) سورة عبس الآية ١٨
(٩) سورة الإنسان الآية ١، ٢
(١٠) سورة القيامة الآية ٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>