للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن فلا ينبغي لمسلم عاقل أن يغتر بكل بريق ويعتبره ذهبا، وأن يستجيب لكل نداء وأن ينجرف وراء كل تيار، بل عليه أن يكون ناقدا بارعا يحلل الأشياء ويمعن النظر فيها ويعمل فكره في التفريق بين الخطأ والصواب وبين الحق والباطل.

فلا ينبغي لأي مسلم أن يحدد نسله بحجة أنه قد يعجز عن الإنفاق على عياله إذا هم كثروا؛ لأنه أولا لا يعلم الغيب، فمن الذي أطلعه على مغيبات الأمور؟ فلئن كان فقيرا اليوم فإنه قد يغنى غدا، فكم من فقير معدم أصبح من كبار الأغنياء وكم من غني موسر أصبح من أفقر الناس ولم يعد يملك حتى قوت يومه وفي ذلك يقول تعالى {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (١) . أي في تقلب الأحوال من حال إلى حال أمر يخالفه.

وثانيا: أن هذا الإنسان المسكين ليس ضامنا لرزق نفسه فضلا عن رزق غيره فالله سبحانه وتعالى هو الذي يدير الأرزاق ويقدر لكل إنسان نصيبه منها قبل ولادته وخروجه إلى هذه الدنيا وما قدر له منها فإنه سيناله حتما فليس على وجه الأرض قوة قادرة على منعه من هذا الحق المقدر.

قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} (٢) . وقال جل من قائل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (٣) . وقال في آية أخرى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (٤) .

أما إذا كان الدافع في تحديد النسل ليس لمجرد الخوف من كثرة العيال والفقر وإنما دعت إليه حاجة ملحة وضرورة معتبرة في نظر الشرع جاز ذلك.


(١) سورة آل عمران الآية ١٤٠
(٢) سورة العنكبوت الآية ٦٠
(٣) سورة هود الآية ٦
(٤) سورة الأنعام الآية ١٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>