الأسرة في المجتمع الإسلامي هي محور هذا المجتمع، وقد نظم الإسلام أحوالها بتشريعات متعددة اعتمدها الفقهاء في استنباط أحكامهم التي احتاجت بسبب الأوضاع المستجدة إلى تغيرات لا تخرجها عن الأصل ولكن تجعلها أميل إلى مسايرة العصر. ونفهم من هذا بطبيعة الحال أن الاجتهاد في شؤون الأسرة كان عاملًا مهما يؤدي بالنتيجة إلى الإقرار ولو عمليًّا بأن الاجتهاد في التشريع في هذا العصر ضروري حتى تكون الشرائع منسجمة ومستلزمات العصر المتغيرة وعليه فإن التجديد بحسب الحاجة يربط بين الدين والدنيا ويجعلهما متلازمين، على عكس ما جرى في كثير من البلاد الإسلامية حيث سادت الازدواجية في عرف الناس وهي فصل الدين عن الدنيا حتى أصبح الدين منزويا ومنقطعًا عن سير الحياة الاجتماعية، وأصبح رجال الدين رمزًا للمحافظة على القديم والتزمت.
ويجدر بنا في هذه المناسبة أن نذكر ما كتبه خير الدين باشا التونسي (١٨١٠ - ١٨٧٩) عن ذلك بقوله.
(ثم من أهم العوائق في تقدم المسلمين وجود طائفتين متعاندتين: رجال الدين يعلمون الشريعة ولا يعلمون الدنيا ويريدون أن يطبقوا أحكام الدين بحذافيرها بقطع النظر عما جد واستحدث.. ورجال سياسة يعرفون الدنيا ولا يعرفون الدين ويريدون أن يطبقوا النظم الأوربية بحذافيرها من غير رجوع إلى الدين. فنقول للأولين: اعرفوا الدنيا، ونقول للآخرين: اعرفوا الدين، فاعتزال العلماء شؤون الدنيا ثم تحكمهم ضرر أي ضرر، وجهل رجال السياسة بأحوال الدين ضرر مثله، والواجب امتزاج الطائفتين وتعاونهما، فهناك أحوال الدين يجب أن تراعى، وهناك أمور لم ينص عليها الدين وتقتضيها مصالح الأمة يجب أن تقاس بمقياس المنفعة والمضرة ويعمل فيها العقل)(١) .
(١) راجع أحمد أمين: فيض الخاطر ج ٦ (القاهرة ١٩٤٥) ص ٢١٦