للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ مصطفي الزرقا عن التجديد (ليس هو إدخال شيء جديد على الدين الإسلامي ليس منه ولا تشمله نصوصه العامة. المقصود بتجديد الدين الإسلامي في هذا الحديث: إحياء ما اندرس من معالمه وترميم ما توهن من لبناته بسوء الاستعمال وإزاحة ما أقيم في طريق مسيرته البناءة للحياة البشرية الصحيحة الكريمة الطيبة من عوائق أو نصب فيها من نصب وهمية لتشد الأبصار إلى غير الخالق تعالى عن جهل أو عن مكر) (١) .

ومن الأدلة على وجوب الاجتهاد ما روي عن أصحاب المذاهب أنفسهم فقد كانوا ينصحون تابعيهم بأن فقههم غير ملزم. وقال الإمام أبو حنيفة (علمنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب) وسأله أحد تلاميذه (أهذا الذي تفتي به هو الحق الذي لا شك فيه؟) فقال: (والله لا أدري، فقد يكون الباطل الذي لا شك فيه) وقال الإمام أحمد بن حنبل (لا تقلدني ولا مالكا ولا الشافعي، وخذ من حيث أخذوا) وروي عن الإمام مالك أنه قال (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، كل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه) (٢) .

وقد سئل الإمام شهاب الدين القرافي المصري المتوفى سنة ٦٨٢ هجرية (إذا صارت العوائد لا تدل على ما كانت تدل عليه أولا فهل تبطل الفتاوى المسطورة في كتب الفقهاء، ويفتى بما تقتضيه العوائد المتجددة؟ أو يقال نحن مقلدون وما لنا إحداث شرع لعدم أهليتنا للاجتهاد، فنفتي بما في الكتب المنقولة عن المجتهدين؟ وكان جوابه على ذلك (إن كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد، يتغير الحكم فيه عند تغيير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة. وليس بتجديد للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية للاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف) (٣) .


(١) مصطفى الزرقاء - الإسلام وتنظيم الأسرة ج ١ (بيروت ١٩٧٣) ص ٢٤٣
(٢) راجع بشأن هذه الأقوال محمد سلام مدكور (الإسلام والمجتمع والتطور) في الإسلام وتنظيم الأسرة ج ١ - ص ٢٩٩
(٣) صبحي الحمصاني. فلسفة التشريع في الإسلام (بيروت ١٩٦١) ص ٢١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>