للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم.

حقيقة هذا الموضوع المهم بالرغم مما كتب فيه وبالرغم أنه من الموضوعات التي أصبحت تقليدية، والتي كما ذكر بعض الباحثين فيه أنه قتل بحثا بالرغم من كل هذا فإن مجمعنا له حكمة واضحة في عرض هذا الموضوع؛ لأنه يمثل الدول الإسلامية قاطبة فينبغي أن يكون النظر فيه على هذا المستوى عالميا وبالرغم من أنه صدرت قرارات مجمعية واضحة في هذا الموضوع فينبغي الاهتمام بالظروف التي أحاطت بالموضوع، فقد اطلعت عليها وتكاد هذه البحوث تجمع على أنه يجب أن يفرق في شأن معالجة هذه القضية بين الاتجاه والسياسة العامة وبين العمل الفردي، فحقيقة هذا الموضوع له صلة بالسياسة الشرعية العامة التي ينبغي فيها أن نلتزم بمقاصد الشريعة، ومن أهم مقاصد الشريعة التي لا يكابر فيها أحد أن شريعتنا ترغب في إكثار النسل وإن كان يتأول بعضهم أن العبرة بالكثرة النوعية لا بالكثرة الكمية عملا بحديث ((قلة العيال أحد اليسارين)) بالرغم من كل هذا فإن الشريعة تفضل وترغب في إكثار النسل المؤمن لينافسوا بذلك الأمم الأخرى، فكثرة النسل مقصد شرعي ثم إن الاحتياط الواجب في الفتوى في القضايا العامة والذي أدين الله عليه هو أن الأصل في هذا الموضوع هو المنع وهو متفق مع ما ذهب إليه المالكية والظاهرية من أن الإسقاط ولو من أول يوم يعد حراما، لكن أيضا شريعتنا ولله الحمد يمكننا أن نقلد فيها المذاهب الأخرى التي تجيز، ولكن ينبغي أن نحصر هذا في حالات فردية تقررها إما الضرورة القصوى أو الحاجة الملحة، لا ينبغي أن نقصر أيضا الأمر على حالتي الضرورة وإنما أيضا الحاجة تنزل منزلة الضرورة، إذن لا يصح التعميم بحال من الأحوال.

أخالف بعض الإخوة الذين أجازوا للدولة أن تصدر قانونا في هذا الأمر، الحقيقة الدولة وسياستها ينبغي أن تكون نابعة من روح الإسلام وأصول عمل السلف الصالح في هذا المجال، فلم نسمع في أي عهد من العهود الإسلامية القرون الأربعة عشر أنهم اتجهوا مثل هذا الاتجاه.

لقد جمعتنا في أوائل الستينات نقابة أطباء دمشق جمعت عالما شرعيا وكنت متحدثا عن الشرعيين ورجلا نصرانيا وبعض الأطباء وبعض القانونيين وتحدثوا جميعا في هذا الموضوع، ينبغي أيها الإخوة أن لا يكون دورنا أقل من اليهودية كدين وليس كسياسة كما ذكر بعض الباحثين ألا نكون أقل من اليهودية كدين والنصرانية كدين أيضا في أننا نجيز الإجهاض والإسقاط ونعتدي على خلق من مخلوقات الله جل جلاله، هذا الأمر في غاية الخطورة، وله مضاعفات كثيرة سواء على المستوى الإسلامي العام أو المستوى الخاص، كذلك لا يصح أن نربط هذه السياسة الشرعية العامة بقلة الأمة أحيانا وكثرتها العددية فهذا الأمر يخضع لقانون المد والجزر والكثرة، والظروف ظروف الانتعاش الاقتصادي وقلته، فلا يصح أن نقرر لدولة حتى ولو ضاقت ظروفها الاقتصادية أن نقول لها يحل لكم كقانون عام أن تتجهوا إلى تحديد النسل أو إلى الإقلال من النسل تقليدا للشعوب الغربية التي تسير في هذا الفلك، هذا في الحقيقة هو الذي اطمأننت إليه من خلال دراسة آراء الفقهاء قاطبة والأحاديث النبوية الصحيحة والعمل الإسلامي الجاد الذي يتفق مع ضرورة الاحتياط والورع في مثل هذه الأمور.

<<  <  ج: ص:  >  >>