للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقي ما هي الأمور التي يظن أنها تنقل عن أصل الإباحة الاحتجاج بالقدر والاحتجاج بأن الله هو الرزاق، الاحتجاج بالقدر هذه طريقة للأسف وأقولها ونفسي يحز فيها أن أقول هذا هذه طريقة المشركين أن يحتجوا بالقدر إن الله عز وجل ذكر عنهم عندما دعاهم إلى الإسلام: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النحل ٣٥] فاحتجوا لما دعوا إلى عبادة الله وحده احتجوا بأن الله راض عنهم بدليل أنه قدر علينا هذا فالاحتجاج بالقدر ليس بحجة أصلا إلا فيما ما مضى ما صار ماضيا في الزمن الماضي نحتج ونقول قدر الله وما شاء فعل ولكن بالنسبة للمستقبل علينا أن نعد العدة وندبر ونرتب أمورنا بقدر الإمكان والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يترك ثغرة واحدة ينفذ إليها الخطر منه ولقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات وكان يلبس المغفر ويلبس على رأسه ويلبس الدروع ولا يترك موضعا يدخل منه السهم على بدنه وهذا معروف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته ولو نظرنا في تدبيراته من الكتمان والإخبار بالتوريات والتعريض وغير ذلك مما يستر به أفعاله وتدبيراته لوجدنا الشيء العجيب فترك الأمور للقدر هذه طريقة الجبرية وطريقة الجهمية وطريقة اتبعها بعض المنتسبين إلى الطوائف الإسلامية من النوع الذي يميل نحو الكسل والتراخي عن التدبير وترك كل شيء إلى الله عز وجل لا شك الله عز وجل جعل لنا أسبابا وضعها تحت أيدينا وأمرنا أن نسير بتلك الوسائل ونقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم في اتخاذ كل ما ينفعنا والنبي عليه الصلاة والسلام يشير إلى هذه النقطة بالذات يقول عليه الصلاة والسلام: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك ما تكره فلا تقل: إني فعلت كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) بعدما يقع القدر لا حيلة لنا في رفع ما مضى لكن لنا حيلة في رفع ما يأتي وقد بين هذا الكلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم بيانا شافيا وإن شئتم أقرؤه عليكم ولكن ليس هناك وقت الآن لقراءة هذا الموضوع.

بعد ذلك الاحتجاج بأن الله هو الرزاق لا يخفى عليكم أن كثيرا من المجاعات يموت فيها أناس ويموت فيها حيوانات ويموت فيها كذا الله هو الرزاق الله عز وجل بيده الرزق كله فيعطي ما يشاء ويمنع عمن يشاء وغالبا تبنى على الأسباب وإن شاء تبارك وتعالى يرزق، يُنَزِِل من السماء ذهبا وفضة إن شاء وهو قادر على ذلك ولكن سنة الله جرت أن تسير الأمور على أسبابها وقد قال الله تعالى: {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد ٢٦] يقدر عليه حتى يموت أحيانا وكثير من المجاعات التي وقعت في سنين قريبة دعوني أتكلم إن شئتم بحرية وإن شئتم أنا أسكت فلا مانع عندي يقدر بمعنى يضيق المفسرون يقولون: يقدر يضيق وليس معناه القدر الذي هو التقدير {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر ٤٩] ولكن الآية الأخرى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد ٢٦] يعني يوسعه وإن شاء يضيقه والجميع بقدر الله ولكن الأسباب جعلت كثيرا منها بأيدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>