للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ذكر المفسرون أنه يحتج بالآية على أن من ألزم نفسه عقدا لزمه الوفاء به، والوعد مما ألزم الشخص نفسه به مع وجود الخلاف في الوجوب أو الاستحباب (١) .

والذين أوجبوا الوفاء بالوعد وجه استدلالهم بالآية أن الواعد إذا وعد وأخلف فإنه يكون قد قال ولم يفعل، فيكون داخلا في استنكار الآية، فيلزم أن يكون وعده كذبا، والكذب محرم فيكون إخلاف الوعد محرمًا أيضا، فلزم الوفاء به خروجًا من صفة الكذب (٢) .

١٦- وقد اعترض على كون إخلاف الوعد كذبا، بأن الكذب وإن كان تعريفه بأنه الخبر الذي لا يطابق إلا أن عدم المطابقة تعرف بالماضي والحاضر من الأخبار، أما ما يتعلق منها بالمستقبل كالوعد فإنه يحتمل المطابقة وعدمها، فلا يمكن الجزم بعدم المطابقة؛ لأن المستقبل بعدم مجيء وقته يكون مجهولًا، وهذا مدعوم بأمرين:

الأول- أننا إذا عرفنا الشيء بوصف بأن قلنا في الإنسان مثلا: الحيوان الناطق، إنما نريد الحياة والنطق بالفعل لا بالقوة، وإلا لكان الجماد والنبات كله إنسانا؛ لأنه قابل للحياة والنطق، وحيث أن كون الوعد كذبا بالفعل غير ممكن لتأخر زمنه فإنه لا يمكن التحكم بوصفه بالكذب.

الثاني – أن إخلاف الوعد لا حرج فيه كما صرح بذلك الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ وحديث أبي داود – وقد تقدم ذكرهما- حيث أفاد الحديثان أن إخلاف الوعد ليس قسيم الكذب ولا حرج فيه، فإن قيل: إن النصوص القرآنية كقوله تعالى {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} (٣) . وقوله {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} (٤) . وقوله {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} (٥) . وقوله {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} (٦) وغير ذلك من النصوص تدل على الصدق في وعد الله، فقد تحقق بذلك وصف الصدق في المستقبل، إن قيل ذلك فالجواب عليه: أن الله تعالى يخبر عن معلوم وكل ما تعلق به العلم يجب مطابقته بخلاف واحد من البشر إنما ألزم نفسه أن يفعل مع تجويز أن يقع ذلك منه وأن لا يقع، فلا تكون المطابقة وعدمها معلومين ولا واقعين فانتفيا بالكلية وقت الإخبار (٧) .


(١) أحكام القرآن للجصاص ٣/٤٤٢ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٨/٧٩
(٢) الفروق ٤/٢٠، ٣٤ المحلى ٨/٢٨
(٣) سورة إبراهيم آية ٢٢
(٤) سورة آل عمران آية ١٥٢
(٥) سورة الزمر آية ٧٤
(٦) سورة الأعراف آية ٤٤
(٧) الفروق وحاشيته وتهذيبه ٤/٢١ -٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>