للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨- وقد رد ابن حزم الظاهري على الذين استدلوا بالآية لوجوب الوفاء بالوعد: بأن المراد بها الذين يقولون ما لا يفعلون في الأمور الواجبة كالوعد بإنصاف من دين أو أداء حق، وهو من قبيل قوله تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} (١) فقد استنكر الله إخلافهم؛ لأن الصدقة واجبة والكون من الصالحين واجب فالوعد والعهد بذلك فرضان ففرض إنجازهما، ثم إن هذا نظر من هذا الذي عاهد الله على ذلك، والنذر فرض (٢) .

ويبدو لي أن هناك فرقا بين هذه الآية والآية المستدل بها ففي هذه الآية علق العهد على شرط وهو إيتاء الله لهم من فضله، فتحقق الشرط وما وفوا، أما الآية المستدل بها فليس فيها مثل هذا الشرط بل إن سياقها يفيد العموم فقد أنكر عليهم أن يقولوا ومنه الوعد ولم يفعلوا فكان مقتًا كبيرًا عليهم.

١٩- الدليل الثاني – أن الوعد أمر بالوفاء به في جميع الأديان وقد حافظ عليه الرسل المتقدمون قال تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (٣) . ومدح إسماعيل لصدقه في وعده بقوله {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} (٤) وفي شريعتنا من النصوص ما يؤكده الوفاء بالوعد كقوله تعالى {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} (٥) وقوله {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} (٦) وقوله {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (٧) وكل هذه النصوص وعشرات مثلها تؤكد أن الله قطع على نفسه الوفاء بما وعد فعلى العباد أن يوفوا بوعودهم.

وقد حمل الجمهور القائلون باستحباب الوفاء بالوعد كل ما تقدم من النصوص على الاستحباب لا على الوجوب، فقرروا كراهية الإخلاف فيه.


(١) سورة التوبة آية ٧٥- ٧٧
(٢) المحلى ٨/٣٠
(٣) سورة النجم آية ٣٧
(٤) سورة مريم آية ٥٤
(٥) سورة الروم آية ٦
(٦) سورة الزمر آية ٢٠
(٧) سورة لقمان آية٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>