للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٢- ونفي الإشكال مبني على أن الحديث مصروف عن ظاهره، وقد ذهب العلماء في صرف الحديث عن ظاهره مذاهب شتى وهي:

أ - قال المحققون والأكثرون وصححه النووي واختاره أن معنى الحديث أن هذه الخصال المعدودة في الحديث خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام، فيظهره وهو يبطن الكفر، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم. ((كان منافقا خالصا)) أي شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال؛ لذلك قال بعض العلماء: وهذا المعنى فيمن كانت الخصال المذكورة غالبة عليه وله دَيْنًا، ويدل عليه التعبير- بإذا – فإنها تدل على تكرار الفعل فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه (١) .

ب - قال الترمذي: إن المراد بالنفاق في الحديث نفاق العمل لا نفاق الإيمان (٢) . وقد ارتضى هذا المعنى القرطبي والعسقلاني (٣) ؛ لذلك قال الكرماني شارح البخاري: مناسبة هذا الباب- علامات النفاق- لكتاب الإيمان: إن النفاق علامة عدم الإيمان أو ليعلم منه أن بعض النفاق كفر دون بعض، والنفاق لغة: مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه (٤) .

وقد استدل لهذا المعنى بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحذيفة: هل تعلم فيَّ شيئا من النفاق؟ فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر وإنما أراد نفاق العمل؛ لما علم بأن عمر رضي الله عنه مقطوع بإسلامه وأنه من المبشرين بالجنة (٥) .


(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٢/٤٧ فتح الباري ١/٩٠
(٢) مسلم بشرح النووي ٢/٤٧
(٣) فتح الباري ١/٩٠، ٩١
(٤) فتح الباري ١/٨٩
(٥) فتح الباري ١/.٩ عمدة القاري ١/٢٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>