للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبمعنى أوضح أن الوعد لو تم وكان له سبب، ثم باشر الموعود ذلك السبب معتمدا على وعد الواعد، فإن على الواعد وجوب الوفاء ويقضي عليه به، مثال ذلك: أن يقول الرجل للرجل: اهدم دارك وأنا أسلفك، أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك، أو تزوج امرأة وأنا أسلفك، ثم باشر الموعود شيئا من هذه التصرفات لزم الواعد الوفاء (١) .

وحيث يتنازع الواعد والموعود له فيما يلزم الواعد بسبب وعده فقد قالوا (٢) ٠ إن زعم الموعود أنه أراد شيئًا سماه فله ما أراد اتفاقا، وإن لم يكن أراد شيئًا أرضاه الواعد بما شاء، وحلف بالله أنه ما أراد أكثر من ذلك، وهذا هو رأي أشهب، أما على رأي ابن وهب واستحسنه أصبغ فإن على الواعد إرضاء الموعود بما يشبه أي بالمثل، وهو ما يكون مرضيا عند الناس، أما لو حلف الواعد ليرضينه فإن عليه أن يوفيه بما يرضيه ويرضي الناس.

٣٠- الفريق الثاني – ويمثله مذهب أصبغ، وقالوا عنه بأنه مذهب قوي (٣) ومفاده أن الوعد يكون لازما يجب الوفاء به ويقضي به عليه إذا تم الوعد على سبب وإن لم يدخل الموعود له في مباشرة شيء، مثال ذلك: قولك: أريد أن أتزوج، أو: أريد أن أشتري كذا، أو: أن أقضي غرمائي فَأَسْلِفْنِي كذا، أو: أريد أن أسافر غدا إلى مكان كذا فَأَعِرْنِي دابَّتَك، أو: أن أحرث أرضي فأعرني بقرتك، فقال: نعم، ثم بدا للواعد الرجوع قبل أن يتزوج أو أن يشتري أو أن يسافر فإن ذلك يلزمه ويقضي به عليه (٤) . وهذه الصورة تمثل طلبا واستجابة، وكذلك لو لم تسأله بل هو قال لك من نفسه: أسلفك كذا أو أهب لك كذا لتقضي دينك أو لتتزوج أو نحو ذلك فإن ذلك يلزمه ويقضي به عليه (٥) . وهذه الصورة تمثل التزاما من جانب واحد.

ويعلم من ذلك أن الوعد المجرد عن سبب كما لو قلت: أسلفني كذا أو أعرني بقرتك ولم تذكر سببًا ولا حاجة، ثم وعدك وبدا له أن يرجع فله الرجوع ولا شيء عليه عند الفريقين، ويلاحظ أن هذه الصيغ تكون لازمة على رأي من أوجب الوفاء بالوعد مطلقًا، وهم ابن شبرمة وموافقوه؛ لأنهم لم يشترطوا وجود سبب في الوعد بل إن مجرد الوعد يوجب الوفاء به.


(١) فتح العلي المالك ١/٢٥٤، الفروق ٤/٢٥
(٢) فتح العلي المالك ١/٢٥٤
(٣) فتح العلي المالك ١/٢٥٥، الفروق ٤/.٢.
(٤) فتح العلي المالك ١/٢٥٤
(٥) المرجع نفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>